تاريخ العشيـــــرة
كلمة الصرايرة مشتقة في اللغة من الجذر (صّر) ومعناها صاح اشد الصياح واشد الصياح تكون في الطائر وصّر الطائر صوت خص به البازي والصقر .
هاجرت عشيرة الصرايرة من بلاد اليمن نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر الميلاديين على الأرجح والمقصود بالهجرة الانتقال من مكان إلى آخر والمهم هنا في هجرة الصرايرة عدم هجرة كافة أبناء العشيرة من اليمن بدليل استمرار اسم هذه العشيرة في اليمن إلى اليوم ومكانهم حول جبل (صرّار ) وهو في منطقة السكاسك والسكاسك بطن من قبيلة كنده وقد اشتهر منهم هناك الفقيه ( العفيف ابن الحسن ابن العفيـف المذحجي الصرّاري) ( ت 804 هــ ) وكان من الفضلاء واليه انتهت الرئاسة في علم القراءات السبع لبلده ومن آثاره كتـــــاب ( تحفةالاخوان ) في الفقه ومنهم أيضا الشيخ محمد بن ناصر بن مقبل الصرّاري شيخ ماويه ت 1340 هـ ونستنتج من ذلك ان عشيرة الصرايرة بطن من بطون قبيلة كنده المشهورة كما يقال للصرايرة في اليمن ( السرايرة ) والسين نظير لحرف الصاد إذ هما حرفان يشتركان في كثير من الخصائص إذ ليس هناك اختلاف في اللفظ في السين أو الصاد حتى في السجلات العثمانية يرد اسم السرايرة بدلاً من الصرايرة .
انتقل بطن من الصرايرة كما أسلفنا إلى الشمال بسبب الحروب والصراعات والجفاف في اليمن وكانت العشيرة هناك تعتمد بشكل كلي على الزراعة وتربية الماشية واستقروا بعد الهجرة في منطقة تسمي ( أملُج ) على الشاطئ الشمالي للبحر الأحمر وتعلموا صيد السمك والاتجار به لكن الجغرافية الصعبة للمنطقة حتمت عليهم الهجرة مرة أخرى فهاجروا إلى غزة في فلسطين وسكنوا هناك كما وهاجر عدد منهم إلى مصر للعمل بالتجارة واستقروا هناك وهم اليوم يسكنون في محافظة المنصورة في الدلتا.
وفي غزة برز زعيمهم سليم الوحيدي وسمي ( بالوحيدي لانه وحيد أمه وأبيه أي ان أباه وأمه لم ينجبا غيره) وهاجر قسم منهم إلى قرية (تفوح ) قضاء الخليل أما القسم الذي بقي في غزة فقد سموا بالوحيدات نسبة إلى جدهم سليم الوحيدي (وهم غير الوحيدات الذين يرجع أصلهم إلى الحجاز) وأما صرايرة تفوح فقد احتفظوا بالاسم الأصلي ( الصرايرة ) ومن تفوح انتقل أخوان إلى شرقي الأردن هما (جبر وعفاش ) أما عفاش فقد سكن منطقة ناعور قرب عمان حالياًَ وقد تفرع منه فخذان أحدهم يدعي بالمناصير وسكناهم وادي السير حالياً والثاني العفاشات وسكناهم حول مدينة جرش.
أما جبر الملقب ( أبو شاربين ) وسمي بذلك الاسم لكبر شاربيه وضخامة جسمه فقد هاجر ومن معه جنوباً إلى الكرك أما الباحث بيتر جوبسر فقد كتب في كتابه السياسة والتغيير في الكرك دراسة لبلدة عربية صغيرة ومنطقتها عن عشائر الكرك كافة وذكر في باب أنماط الغزو ان عشيرة الصرايرة كانت محايدة في النزاعات التي تحدث بين القبائل وكان هذه القبائل تكن الاحترام للصرايرة وتضع عندهم الأمانات .
أما فردريك بيك صاحب كتاب تاريخ شرقي الأردن وقبائلها فقد كتب الكثير من المغالطات حول عدد من العشائر ومنها الصرايرة فقد ذكر ان الصرايرة بطن من عشيرة العفاشات في البلقاء ويقطنون في سول والدويخلة وهذا الكلام غير دقيق على الإطلاق فالصرايرة كما أسلفنا يمتد نسبها إلى اليمن ولها فروع في فلسطين ومصر باسم الصرايرة أما العفاشات فجدهم عفاش شقيق لجد الصرايرة الأول جبر أبو شاربين فالصرايرة ليسوا بطن من العفاشات إنما هناك رابطة اخوة بينهم فقط وذكر ان الصرايرة يسكنون سول والدويخلة ولم يذكر المسكن الأهم للصرايرة وهو مؤتة وكأن مؤتة غير موجودة على الإطلاق رغم تاريخها القديم وهنا أكاد اعذر المؤلف لانه بريطاني ولا يعرف عن طبائع العرب شيئاً وليس عنده خبرة بأنساب عشائر الأردن الضاربة في أعماق الزمن والأرض.
وقد كان للتواصل الجغرافي بين الأردن وفلسطين ان غيرت قبائل كثيرة أماكن سكناها طلبا لمناطق جديدة تتوفر فيها شروط الحياة فقد هاجرت أعداد كبيرة من قبائل الأردن إلى فلسطين نظراً لخصوبة أرض فلسطين اللازمة لرعي المواشي والعكس صحيح فقد هاجرت عدد من قبائل فلسطين إلى الأردن وهذا يدلل على الاتصال الجغرافي بين الإقليمين ، وهذا الأمر ينطبق على عشيرة الصرايرة فقد هاجر جدهم الأول جبر(أبو شاربين)من فلسطين إلى الأردن واستقر في الكرك ,وحدث ان هاجر أحد أبناء الصرايرة إلى فلسطين ويدعى (عيسى كريملية) إلى منطقة دير أبان التي تبعد عن القدس حوالي 25 كلم واستقر هناك وأسس هناك عشيرة الكراملة وتقسم الكراملة اليوم إلى الأفخاذ التالية (جعارة، دعسان، الديارية ، الرباع، صرّار) لكن حرب 1948م واستيلاء اليهود على فلسطين ومنها بلدة دير أبان وتدميرها فقد هاجر معظم أبناء الكراملة إلى الأردن واستقر قسم منهم في مؤتة بين أهلهم وإخوانهم من عشيرة الصرايرة التي هي أصلهم بانتظار ان يعودوا إلى وطنهم فلسطين.
وكما ويشارك أبناء العشيرة في داخل فلسطين بالعمل الفدائي ضد العدو الصهيوني وسطروا وما يزالوا يسطرون أروع الأمثلة بالجهاد في سبيل الله وفي سبيل تحرير الوطن المحتل ونذكر منهم بكل فخر الاستشهادي (حازم عطا يوسف صرايرة) والذي كان عضوا في حركة حماس وكان يبلغ من العمر (17)عاما عندما فجر نفسه وسط عدد من الصهاينة في القدس يوم (30-7-2002م) و أوقع بهم عدد كبير من الإصابات ومازال أهلنا هناك يقدمون الشهيد تلو الشهيد فداء لأرض فلسطين . وكما كان لعشيرة الصرايرة وما يزال لهم دورا لا بأس به في مجال الإدارة على مستوى الكرك الاردن أيام الدولة العثمانية أو على مستوى الأردن منذ تأسيس الأمارة عام 1921م إلى اليوم . ونذكر هنا انه تم انتخاب الشيخ يحيىّ الصرايرة عضوا في بلدية لواء الكرك عام 1893- 1897م وأيضا تم انتخاب الشيخ يحيىّ أفندي الصرايرة في مجلس إدارة اللواء من عام 1897-1900م ، وأيضا انتخب الشيخ سالم بن عيسى الصرايرة في مجلس البلدية من عام 1898-1902م وكذلك انتخب احمد ّ أفندي الصرايرة عضوا في بلدية الكرك في 30-11-1913م وحصل على (429)صوتا وبقي حتى عام 1918م وكما وانضم عدد من أبناء العشيرة إلى قوة (الزندرمة) العثمانية - وكانت وظيفة الزندرمة حل الخلاف بين المواطنين وحفظ الأمن والنظام وملاحقة الفارين وقطاع الطرق واللصوص وحماية السكة الحديدية الحجازية من اعتداءات البدو – ونذكر منهم: سليمان سلامة الصرايرة وحماد عبد الهادي الصرايرة .أما في عهد المملكة الأردنية الهاشمية فقد ساهم وما يزال أبناء الصرايرة في نهضة الأردن الحديث وتقدمه.
ونذكر منهم الأسماء :-
1. الشيخ علي بن يحيى الصرايرة وكان واحداً من ابرز أربعة قضاه عشائريين على مستوى الكرك وخارجها وستمر له ترجمه في باب التراجم ان شاء الله.
2. الحاج ممدوح بن علي الصرايرة وكان الحاج ممدوح الصرايرة من مؤسسي حركة الإخوان المسلمين في الأردن واشترك في حرب عام (1948م) متطوعاً ووصل إلى منصب وكيل دائرة الجمارك وستمر له ترجمة في باب التراجم إن شاء الله.
3. الحاج فارس بن سلامه الصرايرة: وهو من رجالات الكرك المعروفين بالانتماء الوطني والسهر على مصلحة الوطن والمواطن تقلد عدة مناصب إدارية منها محافظاً في وزارة الداخلية .
4. معالي السيد جمال احمد الصرايرة: من رجالات الوطن المعروفين بالعمل الجاد لمصلحة وطنه وصل لمجلس النواب لدورتين متتاليتين واصبح وزيراً في عدة حكومات وستمر له ترجمة في باب التراجم.
5. الفريق خالد جميل الصرايرة أمضى خالد باشا اكثر من ثلاثين عاما في سلك القوات المسلحة الأردنية يخدم أمته ووطنه بأمانة وإخلاص وقد صدرت الإرادة الملكية السامية في عهدة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين بتعيينه رئيساً لهيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية وترفيعه إلى رتبة فريق .
6. رياض يوسف الصرايرة: وصل لعضوية مجلس النواب الثالث عشر عن دائرة الكرك في انتخابات عام (1997م) .
هؤلاء عدد من أبناء عشيرة الصرايرة خدموا وما زالوا يخدمون وطنهم بأمانة وإخلاص وهناك الكثيرين غيرهم ولكن المقام لا يتسع لذكرهم جميعاً.
3. الحاج الشيخ علي بن يحيى الصرايرة:-
ولد في مؤتة عام (1895م) وشكلت حياته الحافلة بالأعمال الطيبة والبذل والعطاء وإصلاح ذات البين منعطفاً هاما في تاريخ عشيرة الصرايرة ، لقد كان الشيخ علي بن يحيى مختارا لعشيرة الصرايرة من العشرينات وحتى وفاته ، وقد كان من ابرز مشايخ حلف الشراقا الذي ظل متواجدا بفعالية حتى عقد الخمسينات من القرن الماضي ، وكان شيوخ عشائر الشراقا يأتون إليه ويعتبرونه مرجعاً قضائياً وعشائرياً يفصل في القضايا الحساسة التي تحدث بين الفترة والأخرى ، لقد عاش الحاج الشيخ علي بن يحيى حياه مليئة بالأعباء الثقيلة مشاركاً دائماً في حل القضايا التي يصعب حلها من قبل الحكام الإداريين سواء كان ذلك في الضفة الغربية أو الشرقية ولم يكن يخشى في الحق لومة لائم.
كان الشيخ علي بن يحيى قاضياً عشائرياً بارزاً ومن قضاه الدم المعدودين في بلاد الشام عامة وهم من يسمون بقضاة ( المحامل ) وهم القضاة الذين يتحملون مسؤولية البت في الجرائم الخطيرة بإصدارهم الأحكام التي تضمن إنهاءها طبقاً لسوادي• البدو ، وقد كان من (مناقع الدم ) أو مقاطع الدم أي قاضياً ينظر في قضايا القتل وما يرافقها من جرائم الاعتداء على الأشخاص• وقد ورث القضاء واكتسب خبرة عالية من والده الشيخ يحيى بن دخل الله الصرايرة والذي في فترته بدأ القضاء العشائري يأخذ طابعه ومميزاته وتستقر به السوادي والعادات ، حيث كان القضاة العشائريين المعروفين فورد من قضاه عشائر الكرك منهم ابن صرّار من الصرايرة•.
وكان رحمه الله أحد أعضاء المجلس الاستشاري لمحافظة الكرك حتى عام (1972م) وكان أحد أعضاء الاتحاد الوطني العربي .
وقد بلغ من شهرته وأمانته انه كانت توجه اليه كتب رسمية من الحكام الإداريين من اجل حل القضايا المستعصية التي لا يستطيع أي قاضٍ ان يحكم بها وقد توفي رحمه الله عام (1984م) بعد حياه حافلة بالبذل والعطاء والإنجازات التي ستظل مآثر خالدة للأجيال القادمة.