"حمزة"
كان حمزة
واحداً من بلدتي كالآخرين
طيباً يأكل خبزه
بيد الكدح كقومي البسطاء الطيبينْ
قال لي حين التقينا ذات يوم
وأنا أخبط في تيهِ الهزيمة :
اصمدي ، لا تضعفي يا بنةَ عمي
هذه الأرضُ التي تحصدها نارُ الجريمة
والتي تنكمشُ اليوم بحزنٍ وسكوتْ
هذه الأرض سيبقى
قلبُها المغدورُ حياً لا يموتْ
هذه الأرض امرأة
في الأخاديد وفي الأرحام سر الخصب واحدْ
قوة السر التي تنبت نخلاص وسنابلْ
تنبت الشعب المقاتلْ
دارت الأيامُ لم التقِ فيها بابنِ عمي
غير أني كنت أدري
أن بطنَ الأرضِ تعلو وتميدْ
بمخاضٍ وبميلادٍ جديدْ
كانت الخمسة والستُّون عام
صخرةً صمّاءَ تستوطن ظهره
حين ألقى حاكمُ البلدة أمره:
"انسفوا الدار وشدّوا
إبنه في غرفة التعذيب !" ألقى
ثم قام
يتغنّى بمعاني الحبِّ والأمنِ -
وإحلال السلام !
* * *
طوَّق الجندُ حواشي الدار -
والأفعى تلوَّتْ
وأتمّت ببراعه
اكتمال الدائره
وتعالت طرقات آمره :
"اتركوا الدار" ! وجادوا بعطاءِ
ساعةٍ أو بعض ساعه
* * *
فتّح الشرفات حمزه
تحت عين الجند للشمس وكبّر
ثم نادى:
"يا فلسطين اطمئني
أنا والدار وأولادي قرابين خلاصك
نحن من أجلك نحيا ونموت"
وسرت في عصب البلدة هزّه
حينما ردَّ الصدى صرخة حمزه
وطوى الدارَ خشوعٌ وسكوت
* * *
ساعةٌ، وارتفعت ثم هوت
غرُ الدار الشهيده
وانحنى فيها ركام الحجرات
يحضنٌ الأحلام والدفء الذي كان - ويطوي
في ثناياه حصاد العمر، ذكرى
سنوات
عُمِّر بالكدح، بالأصرار؛ بالدمعِ -
بضحكاتٍ سعيده
........
أمس أبصرتُ ابنَ عمي في الطريق
يدفعُ الخطو على الدرب بعزمٍ ويقين !
لم يزل حمزه مرفوعَ الجبين