تاريخ لبنان وسوريا وفلسطين في عهد الفاطميين
تأليف: خاشع المعاضيدي تاريخ النشر: 01/12/2006
الفاطميون والسلاجقة
حاول الروم استغلال ضعف الدولة العباسية ،باحتلال الشام و مصر ،هذه المحاولة الرومانية كانت الدافع الأساس في تحرك المعز الفاطمي ،بإنقاذ حملة بقيادة جوهر الصقلي من قاعدته في تونس سنة ثلاثمئة وثمان وخمسين ،سيطرت خلالها على مصر ثم على فلسطين في العام التالي ،تعمد القائد الفاطمي ،الصقلي ،الإشارة إلى الخطر الروماني في منشوره الذي وزعه على أهالي مصر باسم المعز،فقال أن هدف الحملة :الدفاع عن البلاد ضد الروم الذين استطالوا ، وأطمعتهم أنفسهم بالاقتدار عليها واستنقاذها من "المذلة والخزي" وإقامة الحج الذي تعطل وتأمين الطرق ، وحسم الظلم..
استقرت سيطرة الفاطميين في مصر ، ولكنها ظلت قلقة في الشام ،التي حاول الرومان احتلالها وهاجمها القرامطة مرارا.
تصدى الفاطميون لثلاث حملات رومانية على الأقل ،فيما ظلت جيوشهم تتناوب السيطرة على أجزاء من الشام مع القرامطة ،لعدة عقود نجحوا بعدها في تحقيق استقرار نسبي ،فأجبروا الروم على هدنة ،وصلت معها إلى الخليفة المستنصر في القاهرة هدية قيمتها ثلاثون قنطارا من الذهب ،سنة أربعمئة وسبع وثلاثين ، وكان من بنود هذه الهدنة ،أن يقوم الروم بتعمير كنيسة القيامة ، ويطلقوا خمسة آلاف أسير مسلم لديهم ،وإلى فترات الاستقرار تعود الأنشطة العمرانية التي قام بها الفاطميون في القدس ، ومنها عمارة الأقصى الفاطمي ،التي يتردد أنها جاءت بعد زلزال دمر المسجد فقام الخليفة الظاهر بتعميره ،فيما تتحدث مصادر أخرى عن أن الزلزال هدم بعض أجزائه فقام الظاهر بأعمال ترميم واسعة شملت التعديلات التي أدخلت على بنيان المسجد وأوجدت ما اصطلح على تسميته بالأقصى الفاطمي ،الذي يتكون من سبع بلاطات بماثل عرضها عرض المسجد الحالي ، وفي كل منها إحدى عشرة قنطرة ،كما كان الحال في الأقصى العباسي باستثناء قناطر البلاطة الوسطى ،لكونها تحمل القبة المجددة على قناطر واسعة تعدل ثلاث قناطر في الأروقة الجانبية ، وأضيف إليه أيضا صفان من القناطر ،تتعامد مع البلاطات السبع وتوازي جدار القبلة ، وذلك على امتداد القنطريتن الكبيرتين الحاملتين للقبة .
ويذكر الهروي الذي زار بيت المقدس سنة خمسمئة وتسع وستين للهجرة ،نص كتابة تفيد قيام الظاهر بتجديد القبة وتذهيبها سنة أربعمئة وست وعشرين للهجرة ،إي بعد عامين من وقوع الزلزال.
ولم يقدم الرحالة الآخرون وصفا دقيقا للمسجد وعدد بلاطاته ،لكن حديثهم عن أعمدته يفيد في أن الأقصى ظل كبيرا ، وبذا لا يمكن الحسم بشأن الزمن الذي تقلصت فيه مساحة المسجد في العهد الفاطمي على نحو ما تقدم.
قام الفاطميون أيضا بتجديد قبة الصخرة ، وجرى الكشف عن فسيفساء فريدة استخدموها في أعمال الزخرفة والتزيين .كما جددوا عددا من البوائك التي كانت قد أقيمت في العهد العباسي ، وفي فترات الاستقرار شهدت القدس ازدهارا كبيرا.
سنة أربعمئة وخمس وستين ،حاصرها اتسز بن أوق الخوارزمي ، وهو زعيم جماعة من المرتزقة كانت تتبع السلاجقة ، وتسمى "الناوكية" .
تلك كانت سنة قحط وشدة ،من سنوات متوالية على هذا النحو ،فاستسلمت القدس ودخلها اتسز وجماعته ،ليقيم فيها إمارة تدعو للسلاجقة مركزها القدس، وتمتد ما بين حمص إلى سيناء ووادي الغور ، ولكنها لا تملك الساحل من طرابلس إلى أقصى عسقلان لعجزها البحري ،ثم سرعان ما توسع بالسيطرة على دمشق ، وطمع في احتلال مصر لكنه تلقى هزيمة ساحقة على يد الفاطميين عند بلبيس ، وانهزم راجعا إلى الشام ،ليواجه ثورة في القدس ،قمعها بقتل ثلاثة آلاف من سكانها ولم يسلم إلا من أحتموا بالمسجدين :الأقصى وقبة الصخرة،ثم طاف ينفذ مذابح رهيبة في غزة ، ويافا وصور ،لم يكن من شأنها إلا أن تعجل في نهايتة ففي تلك الفترة كان قد بدأ تحرك سلجوقي كبير باتجاه الشام بقيادة "تتش" الذي تقدم في الأراضي الفلسطينية بحذر شديد ،إلى أن حاصر القدس سنة أربعمئة واثنين وسبعين ، وبها أصحاب اتسز.
استمر حصار المدينة ثلاث سنوات ،حتى دخلها أحد أعوان تتش ويدعى ارتق بك ،الذي استمر يتردد إليها حتى وفاته سنة أربعمئة وأربع وثمانين وحكمها ابناه :سقمان وايليفازي لمدة سبع سنوات اتسمت بالشدة والظلم اللذين هددا التسامح القائم في المدينة.
تحرك الأفضل بن بدر الجمالي الفاطمي وحاصر القدس سنة أربعمئة وإحدى وتسعين ، ولم يشأ أخذها عنوة حتى لا يضطر إلى تهديمها ، ولكن من فيها رفض التسليم ،حتى أحدث ثلمة في الأمور بواسطة المجانيق ،فوافق سقمان على تسليمها مقابل الأمان لينتهي حكم السلاجقة فيها ،ومعه فترة سيطرتهم على أجزاء من جنوب الشام دامت ثلاثين سنة .
في ذلك الوقت كان الفرنجة قد بدأوا تحركهم ويبدو أن الأفضل قد تحرك باتجاه القدس بعد أن أيقن أنها وجهة الفرنجة.