النسمة العاشرة والأخيرة
مساكين أهل الغفلة خرجوا من الدنيا وما ذاقوا طعم الحسنات وحلاوة الطاعات ولذة السجدات وأنوار القربات..مساكين..ماتوا فقراء.
كما أن للذنوب آثارا قبيحة في الدنيا قبل الآخرة،فكذالك الحسنات لها آثار حسنة ليس في الآخرة وحسب ،بل في الدنيا كذالك، وكما سبق وسردنا عواقب الذنوب في (الذنوب جراحات وآلام)لنحذر الناس منها ونبغضهم فيها ،فإن للحسنات حقا علينا نرغب الناس فيها ونحببهم فيها .
وهذه بعض آثارها:
1-السكينة عند البلاء
وطمأنينة البال وانشراح الصدر وهدوء النفس ، وإن أحاطت بها المحن، وطوقتها الفتن ، أليست المحن مكفرات ذنوب ، ورافعات درجات ، وأمارة اصطفاء؟
لما أدخل الإمام ابن تيميةسجن القلعة وصار داخل سورها كانت آيات القرآن تنساب من لسانه (فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب )وانطلق يردد في سكينة عجيبة وفتوة فريدة:
ماذا يصنع أعدائي بي ؟ أنا جنتي وبستاني في صدري ..أينما رحت فهو معي ..إن معي كتاب الله وسنة نبيه ..إن قتلوني فقتلي شهادة، وإن نفوني فنفيي سياحة ، وإن سجنوني فسجني خلوة مع ربي ، إن المحبوس من حبس عن ربه ، وإن الأسير من أسره هواه .
تكلم عن هذه الخصلة فيه تلميذه النجيب ابن القيم الجوزية فقال :
"وعلم الله مارأيت أحدا أطيب عيشا منه مع ماكان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها ، ومع ماكان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق ، وهو مع ذالك من أطيب الناس عيشا ، وأشرحهم صدرا ، وأقواهم إيمانا ، وأسرهم نفسا ، تلوح نضرة النعيم علي وجهه.
وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت بنا الظنون ، وضاقت بنا الأرض أتيناه، فماهو إلا أن نراه ونسمع كلامه ، فيذهب ذالك كله ، وينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنينة"فانظر –أثابك الله –هل كان هذا إلا أحد آثار طاعاته ، وبركة من بركات حسناته.
عجائب الإمام
ولعل من حسن حسناته وعجائب كراماته إن جنا مسلما تمثل في هيئته بدمشق بينما كان الإمام مسجونا في القلعة بمصر ..قال ابن تيمية:
كما جري مثل هذا لي عندما كنت في مصر في قلعتها ، وجري مثل هذا إلي كثير من التتار من ناحية المشرق حيث قال ذالك الشخص : أنا ابن تيمية، فلم يشك ذالك الأمير أنه أنا وأخبر بذالك إلي ملك مصر رسولا وكنت في الحبس فاستعظم ذالك ، وأنا لم أخرج من الحبس، ولكن كان هذا جنيا يحبنا فيصنع بالتتار مثلما كنت أصنع بهم كلما جاؤوا إلي دمشق ، حيث كنت أدعوهم إلي الإسلام ،فإذا نطق أحدهم بالشهادتين أطعمتهم ما تيسر ، ففعل معهم مثل كنت أعمل ، وأراد إكرامي ليظن ذالك أنني أنا الذي فعلت ذالك ، قالت لي طائفة : فلم لايجوز أن يكون ملكا ؟ قلت : لا..إن الملك لايكذب وهذا قال : أنا ابن تيمية وهو يعلم أنه كاذب في ذالك .
2-حب الناس
قال تعالي : (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا ). وصدق النبي صلي الله عليه وسلم حين شرح وأبان فقال : (إذا أحب الله عبدا نادي جبريل : إن الله يحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل ، فينادي جبريل في أهل السماء : إن الله يحب فلانا فاحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض "ويسمع محمد بن واسع الآية والحديث فينطلق مبشرا:
"إذا أقبل العبد بقلبه إلي الله أقبل اله بقلوب المؤمنين إليه"
وهذا القبول يامحسنون هو شهادة لكم تدخلكم الجنة وعلامة نجاتكم من النار .
عن أبي الأسود الدؤلي قال : قدمت المدينة فجلست إلي عمر بن الخطاب ، فمروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا ،فقال عمر : وجبت فقلت لعمر : وما وجبت ؟ قال : أقول كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (مامن مسلم يشهد له ثلاثة إلا وجبت له الجنة.قال : قلنا : واثنان .قال : واثنان قال : ولم نسأل رسول الله عن الواحد .
هل عرفت الآن السر في حديث النبي صلي الله عليه وسلم (مامن مسلم يصلي عليه مائة إلا غفر له )
إنه القبول والذكر الحسن
وما هو إلا ثمرة حسناته وحلاوة طاعاته .
وصية عمرية قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رسالة بعث بها إلي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : إن الله إذا أحب عبدا حبب إليه خلقه ، فاعتبر منزلتك من الله ، واعلم إن مالك عند الله مثل مالك عند الناس .
حين يكون الزوجان صالحين
قال أحمد بن حنبل عن زوجته أم صالح : أقامت معي أم صالح ثلاثين سنة ، فما اختلفت أنا وهي في كلمة.
3-حلاوة الطاعات
المحسن يستشعر حلاوة الطاعة ولذة البذل وفرحة العطاء ، لأن الله اصطفاه من بين عباده واختصه لعبادته ، فيحس بطعم ذالك بما لاتعبر عنه الكلمات ولا تصفه العبارات ، هذا بالطبع إن أخلص نيته وجمع همه علي الله .
قال ابن تيمية :" إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحا فاتهمه ، فإن الرب شكور يعني أنه لابد إن ييب العامل علي عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه ، وقوة انشراح وقرة عين ، فحيث لم يجد ذالك فعمله مدخول "
4-الغني الوفير
وذالك وعد الله للمحسنين الذي لايتخلف أويتاخر ، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (إن الله يقول: يابن آدم ..تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غني وأسد فقرك ، وإن لاتفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك "
سبحان الله ..كم من فقير عاش غنيا ، وكم من غني عاش فقيرا ، والغني الذي نعنيه هو ما أبانه النبي صلي الله عليه وسلم في قوله :" ليس الغني عن كثرة العرض ، ولكن الغني غني النفس " فالغني هو القناعة ، والفقر هو الطمع .قال عمر رضي الله عنه :
" أيها الناس ..إن الطمع فقر ، وإن اليأس غني ، وأن الإنسان إذا يئس من شيء استغني عنه "
يامحسنون ..ماأقبح الطمع ..حتي حروف كلماته لما تأملها أبو العباس المرسي قال : الطمع ثلاثة أحرف كلها مجوفة (ط م ع)فصاحبه بطن كله لايشبع أبدا .
ترك المطامع للفتي شرف له حتى إذا طمع الفتي ذل الشرف
هذا أحد الأغنياء يفتخر علي فقير بسعة رزقه وكثرة ماله ، فيرد عليه الفقير الذي امتلأ قلبه غني وثراء ويقول :
ياعائب الفقر ألا تزدجر عيب الغني أكبر لو تعتبر
من شرف الفقر ومن فضله علي الغني إن صح منك النظر
أنك تعصي كي تنال الغني ولست تعصي الله كي تفتقر
هل أنت غني
جاء رجل إلي الفضيل بن عياض فقال له : هذه جبة أحب أن تقبلها مني .قال : إن كنت غنيا قبلتها ، وإن كنت فقيرا لم أقبلها .قال : أنا غني .قال : كم عندك ؟ قال: ألفان .قال: تود إن تكون أربعة آلاف؟ قال: نعم .قال: فأنت فقير ، لاأقبلها منك ..
هل أنت من الملوك
حيث جاء رجل إلي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فسأله قائلا : ألسنا من فقراء المهاجرين ؟ فقال له عبد الله : ألك امرأة تاوي إليها؟ قال: نعم .قال: ألك مسكن تسكنه ؟قال : نعم .قال : نعم .قال: فأنت من الأغنياء .قال الرجل : فإن لي خادما .قال: فأنت من الملوك.
5-النجاة من العذاب
لما سئل النبي صلي الله عليه وسلم :"أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث "
فمن حسن الحسنة أنها تمنع نزول العذاب بالأمة، وتحميها من أن تهلك نفسها بنفسها وتفني حياتها بيدها ، وكم من هجمة عذاب كادت تحل بنا لولا وجود نسبة معقولة من الصالحين تمنع تكاثر الخبيث (وللا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ).وهذا معني قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أراد أن يفهمه لجموع التابعين الذين مارأوا رسول الله صلي الله عليه وسلم وما بلغهم حديثه، فقال مخاطبا إياهم : توشك القري تخرب وهي عامرة .فقيل : كيف تخرب وهي عامرة ؟ قل : إذا علا فجارها أبرارها
وكلما زادت الحسنات رفعت المهلكات ، وكلما نضبت كان العذاب وشيكا .قال عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود : ذاكرا الله في غفلة الناس كمثل الفئة المنهزمة يحميها الرجل ، لولا ذالك الرجل هزمت الفئة، ولولا من يذكر الله في غفلة الناس هلك الناس .
أيها المسيئون..قدموا الشكر للمحسنين ، فهو واجب في رقابكم …لولاهم لهلكتم ، وبسببهم حفظتم ، ولو ماتوا لشقيتم وأخذتم .
6-صلاح الذرية
كان عمر بن عبد العزيز يجزم ويقول : مامن مؤمن يموت إلا حفظه الله في عقبه وعقب عقبه .
بل وفي عقب عقب عقبه ، بل وأبعد من ذالك ، كما قال المفسرون في قول الله عز وجل (وكان أبوهçما صالحا ).
قالوا : كان الجد السابع ، وسبب صلاحه حفظ الله الكنز لهذين الغلامين اليتيمين ، وصانه لهما حتى يكبرا .
ولعل هذا ماكان يدفع سعيد بن المسيب إلي إن يطيل في صلاته ويقول لولده : لأزيدن في صلاتي من أجلك ، رجاء إن أحفظ فيك .
ياإخوتاه..ليس حفظ الأبناء وتأمين مستقبلهم بإيداع الأموال لهم في البنوك ، بل بإيداع الطاعات في كفة الحسنات عن طريق إطالة الصلاة ودموع المناجاة ، وصدقة الخفاء وصلة الرحم وحسن الجوار وقراءة القرآن ..وغيرها من الطاعات.
وكلما كانت الطاعات أكثر كان الصلاح أعم وأشمل ليغطي دائرة الأبناء ويتعداها إلي دائرة الجيران .
قال محمد بن المنكدر: إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده والدويرات التي حوله فما يزالون في حفظ من الله وستر .
7-بركة الأوقات
إقرأ هذه النماذج بعناية :
*الإمام فخر الدين الرازي : [توفي 606هـ]عن ثلاثق وستين سنة ، وترك من التأليف نحو 200كتاب مابين كتاب في ثلاثين مجلدا كالتفسير المشهور له ، ورسالة له في صفحات .
*الإمام النووي: [توفي 676هـ] عن خمس وأربعين سنة، وكان كل يوم يقرأ اثني عشر درسا علي مشايخه ، شرحا وتصحيحا ، يأكل في اليوم أكلة ويشرب شربة واحدة عند السحر ، ولذالك ترك من المؤلفات ماقسموه علي أيام حياته ، فكان لكل يوم أربعة كراريس ..
*الإمام ابن تيمية : [توفي 728هـ] عن سبع وستين سنة ، وجاء في ترجمته عن ابن شاكر الكتبي أن تصانيفه تبلغ إلي 500مجلد.والصحيح في عدد تصانيفه ماقاله الحافظ ابن رجب في ذيل طبقات الحنفية : وجاوزت حد الكثرة فلا يمكن لأحد حصرها .
قال عنه تلميذه ابن القيم : وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وإقدامه وكتابته أمرا عجبيبا .فكان يكتب في اليوم من التصمايكتبه الناسخ في جمعة وأكثر.
*الحافظ ابن الدنيا : ألف ألف تأليف ، وابن عساكر ألف تاريخه في 80مجلدا ، وأبومحمد علي بن حزم 400مجلد تشتمل علي قريب من 80ألف ورقة ، وابن شاهين صنف ثلاثمائة وثلاثين مصنفا منها التفسير في ألف جزء، والمسند في ألف وخمسمائة جزء.
هل انتهيت من القراءة ياأخي ؟
هل اعترتك حالة من الدهشة ؟ أتريد إن تصل إلي ماوصلوا إليه أونصفه اوعشره.هل تشكوا بأن الأوقات تتسرب من بين يديك، وبأن محصلة يومك مثل أمسك مثل غدك ..صفر..وبأن الشهر عندك يمر كاليوم ، واليوم يمر كالساعة ..إذا كنت كذالك فجرب هذا الدواء
لاتعمل عملا دون أن تصاحبك فيه نية صالحة..
لاتنم إلا بنية التقوى علي صلاة الفجر ، لاتذهب إلي عملك إلا بنية : " إن الله يحب المؤمن المحترف " فلا تأكل إلا بنية الاستعانة بالطعام علي العبادة ، مع التزامك بالفرائض وعضك عليها بالنواجذ ، وعندها ستري الفرق شاسعا إن شاء الله .
8-يجعل له مخرجا
*كما جعل لأصحاب الغار الذي سد بابه صخرة فتوسلوا بأعمالهم الصالحة، فتوسل أحدهم ببره بأبويه ، وتوسل أحدهم بأمانته ، وتوسل أحدهمك بعفته عن الفحشاء ، ففرج الله عنهم وفتح لهم الغار بحسن حسناتهم.
*كما جعل مخرجا لعوف بن مالك الأشجعي لما أسر المشركون ابنا له ، فذهب يشكو ذالك إلي النبي صلي الله عليه وسلم فأوصاه رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يكثر هو وامراته من قول : " لاحول ولاقوة إلا بالله "، فقالت له امرأته : نعم ما أمرك به رسول الله صلي الله عليه وسلم .فنفذ الوصية ، فغفل العدو عن ابنها ومعه 400شاة ، وفيه نزل قول الله عز وجل :" وكمن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب ".
*وكما جعل مخرجا لأبي مسلم الخولاني سيد التابعين زاهد العصر حين جاءته امرأته يوما قائلة : ليس لنا دقيق ، فقال : هل عنك شيء؟ قالت : درهما بعنا به غزلا.قال : اعطني إياه وهاتي الجراب ، فدخل السوق فأتها سائل وألح ، فأعطاه الدرهم ، وملأ الجراب نشارة مع تراب ، وأتي وقبله مرعوب من امرأته، ورجع إليها ففتحت الجراب فإذا هو دقيق .فعجنت وخبزت ، فلما جاء ليلا وضعت الخبز ، فقال : من أين هذا ؟ قالت: من الدقيق فأجهش بالبكاء.
لطيفة : جاء رجل إلي شيخ الإسلام أبي الحسن بنان الحمال وكان له علي آخر دين مائة دينار فطلب الرجل الوثيقة فلم يجدها ، فجاء إلي بنان ليدعو له ، فقال بنان : أنا رجل كبرت ، وأحب الحلوي، فاشتر من دار فلان رطل حلوي حتى أدعوا لك ، ففعل الرجل وجاء فقال بنا : افتح ورقة الحلوي ، ففتح فإذا هي الوثيقة ، فقال بنان : خذها واطعم الحلوي صبيانك..
9-بركات من السماء والأرض
لقوله عز وجل : "ولوان أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض "
كر الإمام أحمد في مسنده : وجدت في خزائن بعض بني امية حنطة، الحبة بقدر نواة التمر ، وهي في صرة مكتوب عليها : "كان هذا ينبت في زمان العدل "
ومن أروع أزمنة العدل ماكان في زمن الخليفة الراشد مجدد الإسلام في القرن الاول الهجري عمر بن عبد العزيز.
قال موسي بن أعين : كنا نرعي الشاة في زمن خلافة عمر بن عبد العزيز وكانت الوحوش والذئاب ترعي في مكان واحد، فبتنا ذات ليلة إذ عرض ذئب لشاة فقلنا: مانري الرجل الصالح إلا هلك.قال الراوي : فحدثني هو وغيرهأنهم حسبوا فوجدوا أنه قد هلك ذالك اليوم .
10-نور في الوجه
ياإخواني ..إن الرجل لينقطع إلي ملك من ملوك الدنيا فتري أثره واضحا ظاهرا فكيف بمن ينقطع إلي ملك الملوك ألا يري أثره عليه؟
وجوه المحسنين أضوأ من البدر ..وجباههم انور من الشمس ، سئل الحسن البصري: مابال المجتهدين أكثر الناس نورا ؟ فقال : خلو بالرحمان ليلا فكساهم من نوره .
هل سمعت يوما عن الغمام القدوة تقي الدين عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي ؟ إن لم تكن سمعت عنه فاسمع مني ماوصفه به الإمام الذهبي : "كان عظيم الخلق ، تام القامة كأن النور يخرج من وجهه".
والسر في هذا أنه (كان لايضيع شيئا من زمانه بلا فائدة ، فغنه كان يصلي الفجر ، ويلقن القرآن، وربما قرأ شيئا من الحديث تلقينا ، ثم يقوم فيتوضأ، ويصلي 300ركعة بالفاتحة والمعوذتين إلي قبل الظهر ، وينام نومة ثم يصلي الظهر ، ويشتغل إما بالتسميع أوالنسخ إلي المغرب ، فإن كان صائما أفطر ، وإلا صلي من المغرب إلي العشاء، ويصلي العشاء وينام إلي نصف الليل اوبعده ، ثم يقوم كأن إنسانا أيقظه، فيصلي لحظة ثم يتوضأ ويصلي إلي قرب الفجر ، وربما توضأ سبع مرات أوثمانية في الليل ، ويقول : ماتطيب لي الصلاة إلا وأعضائي رطبة ، ثم ينام نومة يسيرة إلي الفجر ، وهذا دأبه)
تري من أي طاعة وهبه الله هذا النور ؟ أمن صلاته بالليل ؟ أم تلقينه القرآن أم من صيامه أم من كثرة وضوئه أم من كل هذا معا؟.
نافس أخاك في دينه عسي الغني أن يجود كما جاد علي عبد الغني ..يافقير..أين الغيرة يارجل ؟ ألا تغار إلا في امر دنيا ؟ ألاتنافس إلا علي متاع زائل ؟ أسرج نور وجهك من الآن ياأخي وقد عرفت الطريق.
11- من ترك شيئا لله عوضه الله
ما نقص مال من صدقة ، وما ازداد عبد بعفو إلا عزا ، ومن جعل الآخرة همه أتته الدنيا وهي راغمة ، ومن كظم غيظا ناداه الله علي رؤوس الخلائق ليخيره بين الحور العين أيها يشاء ومن تواضع لله رفعه.
كل عبارة سبقت لم تكن إلا حديثا صحيحا أوحسنا عن النبي صلي الله عليه وسلم تشير إلي أن يؤثر الله علي هواه يبدله الله خيرا، ويجزيه ثوابا في الحياة قبل الممات.
أيقن-يااخي- بذالك وتعلم من قصة الازهري الفقير
الأزهري الفقير
يروي أن طالب علم في الازهر قدم من بلاد الصعيد فجلس في حلقة شيخه ، وتأخرت نفقته من الصعيد ففارق حلقة الشيخ عساه إن يحصل علي كسرات خبز ولقيمات يقتات بها ويتقوي ، فبينما هو يسير إذ دخل في شارع ضيق ، فوجد بابا مفتوحا ، ووجد خزانة من الطعام فمد يده إلي الطعام،ثم بعد إن تناول قطعة ووضعها في فمه تذكر أنه جاء ليطلب العلم ، والعلم نور ، والأكل من هذا الطعام دون إذن صاحبه ظلمة للقلب، ولايمكن اجتماع الظلمة مع النور سويا، وسيطرد احدهما الآخر، فترك هذا الطعام وعاد لحلقة شيخه ، وبه من الجوع مالله به عليم.
وبعد الدرس إذا بامرأة تأتي وتكلم الشيخ بكلام لم يسمعه الحاضرون ، ولما انصرفت قال الشيخ لهذا الطالب : ألك رغبة في الزواج ؟قال :أتهزأ بي؟ والله مادخل جوفي طعام منذ ثلاثة أيام فكيف أتزوج ؟قال الشيخ : إن المراة توفي زوجها وترك لها ابنة صالحة ومالا كثيرا ، وتريد رجلا صالحا يتزوج البنت وبرعي المال ، فقال الشاب : إن كان كذالك فلا بأس، فخرجوا جميعا حتى وصلوا الدار فلما وضع الطعام بكي هذا الشاب ، فقال له الشيخ : لم تبكي ؟ هل أكرهناك علي الزواج؟ قال : لا، ولكن من سويعات دخلت هذا البيت لآكل الطعام الذي وضع بين أيدينا فذكرت أنه حرام فتركته لله، فأعاده الله لي ومعه غيره من طريق الحلال.
12-هل جزاء الإحسان إلا الإحسان
وتأمل كثرة حسنات احمد بن حنبل وأنت تقرا قوله: ماكتبت حديثا إلا وقد عملت به نحتي قولي : إن النبي صلي الله عليه وسلم احتجم وأعطي ابا طيبة دينارا ، فأعطيت الحجام دينارا حين احتجمت.
حرص –رحمه الله-علي إتباع كل سنة للنبي صلي الله عليه وسلم بل كل عادة له صلي الله عليه وسلم ول كان في خطر علي حياته.
قال إبراهيم بن هاني: اختبأ عندي أحمد بن حنبل ثلاث ليال ثم قال لي :اطلب لي موضعا حتى ادور .قلت : إني لا آمن عليك يا أبا عبد الله ، فقال :إن النبي صلي الله عليه وسلم اختفي في الغار ثلاثة أيام ،وليس ينبغي إن تتبع سنة النبي صلي الله عليه وسلم في الرخاء وتترك في الشدة.
له همم لامنتهي لكبارها وهمته الصغري أجل من الدهر
له راحة لو إن معشار جودها علي البر كان البرأندي من البحر
وانظر إلي قطرة من كراماته ، ولمحة من حسن حسناته :
قال الوركاني :أسلم يوم مات احمد بن حنبل عشرة آلاف من اليهود والمجوس.
قال ابن الجوزي : لما وقع الغرق ببغداد سنة554هـ وغرقت كتبي ، سلم لي مجلد فيه ورقتان من خط الإمام احمد رحمه الله .
قال علي بن الحسن الزينبي قاضي القضاة:
إن الحريق وقع في دارهم فاحترق مافيها إلا كتابا فيه شيء بخط احمد..
قال شمس الدين الذهبي :
وكذا استفاض وثبت إن الغرق الكائن بعد العشرين وسبع مائة ببغداد عام علي مقابر مقبرة أحمد ، وان الماء دخل الدهليز علو ذراع ووقف بقدرة الله ، وبقيت الحصر حول مقابر الإمام بغبارها ، وكان ذالك آية.
13-حسن الخاتمة
الدنيا امتحان يتباين فيه الناس ، حتى يأتي موعد تسليم الأوراق وقبض الأرواح فتظهر النتيجة ، وتكون الفرحة والسرور أو الويل والثبور .
قال أبوجعفر التستري :حضرنا أبازرعة الرازي وكان في سياق الموت، وعنده جماعة من العلماء ، فذكروا حديث التلقين وقوله صلي الله عليه وسلم:" لقنوا موتاكم لا إله إلا الله " فاستحيوا من أبي زرعة وهابوا إن يلقنوه، فقالوا : نذكر الحديث ، فقال أحدهم : أنبانا الضحاك بن مخلد عن عبد الحميد بن جعفر عن صالح ولم يكمل ، فقال أبو زرعة وهو في النزع الأخير قال :حدثنا أبوعاصم قال :حدث عبد الحميد بن جعفر عن صاح بن أبي غريب عن كثير بن مرةالحضرمي عن معاذ أنه قال :قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "من كان آخر كلامه لاإله إلا الله…" ولما قال : "لا إله إلا الله "خرجت روحه مع الهاء قبل إن يقول : "دخل الجنة ".
14- توالد الحسنات
كان أبو سليمان الداراني يقول : " من احسن في نهاره كوفيء في ليله، ومن احسن في ليله كوفيء في نهاره".
فمن حسن الحسنات أن الرجل فينا لاإذا عمل حسنة كافأه الله عليها فوفقه لأداء حسنة أخري وحسنة تجلب حسنة وهلم جرا .
إذا أردت حسنة قيام الليل فقدم حسنة غض الصر في النهار ، وإذا رغبت في حسنة صلاة الفجر فقدم حسنة صدقة السر ، وإذا طلبت قلبك في الصلاة فلم تجد حسنة الخشوع فقدم حسنة التبكير إلي الصلاة ، وضع كلمة عروة بن الزير حلقة في أذنك :
"مامن حسنة إلا وهي تدعو أختها " .
وماذا بعد الكلام
افعل :
*احرص علي صلاة الجماعة في المسجد، وصلاة النافلة في البيت (أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة)
*ليكن لك ورد ثابت من كتاب الله لا يقل عن جزء، وإن لم يكن لك ورد فابدأ ولو بصفحة وتدرج حتى تصل إلي جزء.
*أد زكاة مالك 2،5 في المائة مما حل عليه حول كامل ولغ النصاب .
*صل رحمك وتذكر " لا يدخل الجنة قاطع رحم"
*احرص علي إن تذكر الله في جميع أحوالك ، خاصة أذكار الصباح والمساء، والتي تقرا من كتاب المأثورات وأذكار الأحوال (عند الأكل والسفر ودخول البيت ..).
*"الدال علي الخير كفاعله " فلا تبخل بالنصيحة علي من تعرف، وخاصة أقاربك " وأنذر عشيرتك الأقربين"
*عليك بالصوم فإنه لامثل له وأكثر الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا اليوم .
ولا تفعل:
*لا تتكلم بلسانك ما تحرق به جسدك يوم القيامة..احذر غيبة المسلمين أو الاستماع إلي الغيبة فالمستمع مغتاب ، لا تكذب ، لا تتكلم بالفحش من القول ، لا تلعن ،لا تشتم .
*لا تسمع إلا حلالا طيبا
وسمعك صن سماع القبيح كصون اللسان عن النطق به
فإنك عند سماع القبيح شريك لقائله فانتبه
*لا تدخل بطنك إ حلالا طيبا : "كل جسد نبت من سحت فالنار أولي به".
*لا تطلق بصرك إلي ما لا يحل، فإن النظر بريد الزنا ، ويشمل ذالك النظر إلي اصور العارية في التلفزيون والمجلات والجرائد، فكل ذالك حرام .
*لا تشهد مجالس المنكرات واجتنب بيئة المعاصي، ولا تكن كالراعي يرعي حول الحمي يوشك أن يتع فيه.
تم بحمد الله ..........