النسمه التاسعه .....
[/SIZE]
تزود للفراق و تهيأ للرحيل و تجهز فقد دنا وقت الحساب على اليسير مع الجليل.. أسرع قبل أن ينجلي لك الأمر عند الحشرجة.
لماذا تكره الزائر الأخير؟
لماذا نكرهه؟ مع أن النبي عليه الصلاة والسلام حين خير بين البقاء في الدنيا و الموت قال:" بل الرفيق الأعلى"، و على دربه سار أصحابه الذين كانوا يرحبون بالموت و يحسنون استقباله..
ترى ما الفارق بيننا و بينهم؟ لماذا نكره قدومه؟ لماذا نخاف زيارته؟ لماذا يرتعد القلب وجلا من ذكره؟
الأسباب هي:
1- الحياء من الله:
قال احمد بن أبي الحواري: قلت لأم هارون العابدة الدمشقية: أتحبين الموت: قلت: لا. قلت: و لم؟ قالت: لو عصيت آدميا ما أحببت لقائه فكيف أحب لقاء الله وقد عصيته؟
أخــي…
لو كنت موظفا و تأخرت عن عملك دقائق معدودة لحملت هم المساءلة.
لو كنت تلميذا و طلب إليك استاذك أداء واجبك فتاخرت عنه لحملت هم المساءلة.
لو كنت ابنا صالحا و طلب إليك ابوك حاجة مرة بعد مرة و لم تقضها له لحملت هم المساءلة؟.
سبحان الله!! هؤلاء: المدير والمدرس و الأب…أعظم أم الله؟!هؤلاء الخلق أم الخالق؟!اسال قلبك و استفت عملك و اعرض نفسك على نفسك.
2- أين النزول و إلام المصير؟!
قال سعيد بن أبي عطية: لما حضر ابا عطية الموت جزع منه، فقالوا له: اتجزع من الموت؟ قال: مالي لا اجزع و إنما هي ساعة ثم لا ادري أين يذهب بي؟
و كيف تنام العين و هي قريرة و لم تدر في أي المحلين تنزل
لما حضرت احمد بن خضرويه المنية سئل عن مسالة، فدمعت عيناه و قال: يا بني كنت أدق بابه خمسا و تسعين سنة، و ها هو يفتح الساعة لي، لا أدري أيفتح بالقبول و السعادة أو الشقاوة ، فأنى لي أوان الجواب؟
3- قلة الزاد:
قال عز وجل: " و انفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى اجل قريب فأصدق و أكن من الصالحين".
تحسر بعض الناس عند موته، فقيل له: ما بك؟ فقال: ما ظنكم بمن يقطع سفرا طويلا بلا زاد، و يسكن قبرا موحشا بلا مؤنس، و يقوم بين يدي حكم عدل بلا حجة.
ما أخبار زادك؟
بكم ركعة في جوف الليل اعتقت رقبتك من النار؟ بكم يوم صمته في شدة الحر اتقيت حر جهنم؟ بكم شهوة تركتها ترجو نعيم الابد؟ أين الزاد الذي يبلغ؟ أين العمل الذي يصلح؟
كان صالح المري كثيرا ما يتمثل هذا البيت من الشعر:
و غائب الموت لا ترجون رجعته إذا ذوو سفر من غيبة رجعوا
ثم يبكي و يقول: هو و الله السفر البعيد، فتزودوا لمراحله، فان خير الزاد التقوى، و اعلموا انكم في مثل امنيتهم ، فبادروا الموت و اعملوا له قبل حلوله.
4- الاسراف على النفس:
المسرفون في المعاصي يخافون القدوم، و يهابون المنون، اساءوا فخافوا، و عاثوا فهابوا، و ماتوا فلاقوا ما كانوا يحذرون.
لاه بدنياه و الأيام تنعاه و القبر غايته و اللحد مثواه
يلهو و لو كان يدري ما اعد له إذا لأحزنه ما كان ألهاه
أو ما جنت يده لو كنت تعرفه ويلاه مما جنت كفاه ويلاه
برقيات قبل الوصول
قد بعث إليك الموت " برقيات" تعلمك بقرب وصوله و دنو أجله … و ها هي:
1- المرض:
دخل الناس يعودون محمد بن واسع في مرض موته، فقال: يا اخوتي…يا اخوتي…هبوني و اياكم سالنا الله الرجعة فاعطاكموها و منعنيها… فلا تخسروا أنفسكم.
و لما مرض عبد الملك بن مروان مرض الموت جعل يلوم نفسه و يضرب بيده على رأسه و يقول: وددت أنني كنت اكتسبت يوما بيوم يكفيني، و اشتغل بطاعة الله، فذكر ذلك لأبي حزم فقال:" الحمد لله الذي جعلهم يتمنون عند الموت ما نحن فيه، و لا نتمنى عند الموت ما هم فيه". أسمعت… أم لم تسمع؟ أفهمت أم لم تفهم؟
يــا أ خــي…من اسبعد موته و اطال امله و نسي قبره فليقرا موعظة الحسن البصري حين قال: من لم يمت فجأة مرض فجأة ، فاتقوا الله و احذروا مفاجأة ربكم.
إن الطبيب بطبه و دوائه لا يستطيع دفاع نحب قد اتى
ما للطبيب يموت بالداء الذي قذ كان أبرأ مثله فيما مضى
مات المداوي و المداوى و الذي حمل الدواء و باعه و من اشترى
2- الشيب:
العمل في الشباب قبل حلول المشيب، فانه إن حل فقد تقصر الهمة و تخور القوة و تضعف الارادة و لا تسعف الطاقة، فتسمع أحاديث فضائل الاعمال و تتمنى العمل بها فلا تستطيع.
يــا مسكين.. احين يعطيك القوة تنساه؟ و حين يسلبك اياها تذكره؟ اف لك.. أما تعلم انه ما من شعرة تبيض إلا و هي تقول للتي تليها: أختي… قد جاء الموت فاستعدي له.
أخـــــي .. الشيب رسول الله إليك يخبرك بدنو اجلك فاعد لما بعده.
إذا الرجال ولدت اولادها و بليت من كبر اجسادها
و أصبحت امراضها تعتادها تلك زروع قد دنا حصادها
و اعلم انك على سفر ، وانك مغادر لا محالة.
و إذا رأيت بنيك فاعلم أنهم قطعوا إليك مسافة الاجال
وصل البنون إلى محل ابيهم و تجهز الاباء للترحال
رحم الله الحسن البصري حين ايقظ الشيوخ بقوله:
يا معشر الشيوخ … ما ينتظر بالزرع إذا بلغ؟ قالوا الحصاد.
و ايقظ الشباب بقوله:
يا معشر الشباب… إن الزرع قد تبلغه العاهة قبل أن يبلغ.
استيقظ
سئل القاضي أبو المكارم شرف الدين الصفراوي الاسكندري عن سنه فاجاب ارتجالا:
يا سائلي عن قوى جسمي و ما فعلت فيه السنون ألا فاعلمه تبيينا
ثاء الثلاثين احسست الفتور بها فكيف حالي عند ثاء الثمانينا
3- فراق الاحبة:
كان الرجل من السلف يبلغه موت اخ من اخوانه فيقول: إنا لله و إنا إليه راجعون… كدت والله أن أكون أنا السواد المختطف ، فيزيده الله بذلك جدا واجتهادا.
افهم يا هذا ما اقول: كان ملك الموت قريبا منك في الدار التي تجاورك و قبض منها اخاك ، وكان من الممكن ان يغير وجهته ، و يقبضك لكن الله اعطاك فرصة اخرى ومد لك في العمر حتى تفيق فهل افقت؟
لطيفة
جاء رجل إلى الفضيل بن عياض فقال له: اوصني. قال: هل مات والداك؟قال: نعم، قال: فقم عني، فإن من يحتاج إلى من يعظه بعد موت و الديه لا تنفعه موعظة.
يا ساهيا عما يراد به آن الرحيل و ما حصلت من زاد
ترجو البناء صحيحا سالما أبدا هيهات أنت غدا فيمن عدا غاد
أخي … كم مرة استمعت فيها لوعظ القبور؟ كم مرة زرتها.
إلى من يشكو قسوة القلب، و الرجوع إلى الذنب، و نكث العهد مع الرب، و البعد عن الله بعد القرب: الم تسمع أبدا قبل ذلك عن وعظ القبور؟
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:" كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها، فإنها ترق القلب و تدمع العين و تذكر الآخرة".
يقول اديب الإسلام مصطفى صادق الرافعي:
"من هرب من شيء تركه أمامه إلا القبر فما يهرب منه احد إلا وجده أمامه ، وهو أبدا ينتظر غير متململ، و أنت أبدا متقدم إليه غير متراجع.
و اينما يذهب الإنسان تلقفته اسئلة كثيرة : ما اسمك؟ ما صناعتك؟ كم عمرك؟كيف حالك؟ ما مذهبك؟ ما رايك؟ ثم يبطل هذا كله عند القبر، و هناك يتحرك اللسان الازلي بسؤال واحد للإنسان: ما عملك؟".
لو كان بالقلب حياة!!
رأى الحسن البصري شيخا في جنازة، فلما فرغ من الدفن قال له الحسن: يا شيخ …اسالك بربك… اتظن أن هذا الميت يود أن يرجع إلى الدنيا فيزيد من عمله الصالح ليستغفر الله من ذنوبه السالفة؟ قال الشيخ: اللهم نعم، فقال الحسن: فما بالنا لم نحصل درجة ميت؟ ثم انصرف وهو يقول: أي موعظة !!و ما انفعها… لو كان بالقلب حياة!!
كيف تذكر الموت؟
لا يكون الرجل ذاكرا للموت حتى يذكر الموت بلسانه و قلبه و جوارحه.
1- اللسان :
أ- الموتة الصغرى:
كل يوم نموت فيه و نحيا.. ننام ونصحو إلى أن يأتي اليوم الذي ننام فيه لنستيقظ على نفخة الصور يوم القيامة!!
في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام" كان إذا اخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول: باسمك اللهم احيا، و باسمك اللهم أموت، و إذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا و إليه النشور".
ليذكر الإنسان الموت كل ليلة مع منامه، بل ويذوق طعمه و امكانية حدوثه إن ظن لحظة انه معمر أو مخلد.. رب شروق بلا غروب..رب ليل بغير نهار..كم من رجل امسى من أهل الدنيا و اصبح من أهل الآخرة، و كم من مزمار بات في بيت اصبح فيه الصراخ، وكم من رجل بات يقسم ميراث ابيه فلما حل الصباح قسموا ميراثه.
الهروب من الموت
نشرت مجلة القصيم السعودية أن شابا في دمشق حجز ليسافر و اخبر والدته أن موعد إقلاع الطائرة في الساعة كذا وكذا، و عليها أن توقظه إن دنا الوقت، و نام هذا الساب، و سمعت أمه أخبار الاحوال الجوية في التلفاز، و علمت أن الرياح هوجاء ، و أن الجو غائم ، و أن هناك عواصف رملية ، فأشفقت على وحيدها فلم توقظه أملا في أن تفوته الطائرة.
و لما تاكدت أن الرحلة قد أقلعت، أتت إلى ابنها لتوقظه فوجدته ميتا في فراشه ، فر من الموت و في الموت وقع، و من المقدور لا ينجي الحذر، وصدق ربنا:" أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشيدة".
ب- العزاء:
اوصى النبي عليه الصلاة والسلام أن نذكر الموت بلساننا في عزاء كل مؤمن فنقول:" لله ما أخذ و له ما اعطى ، وكل شيء عنده إلى اجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب".
إني معزيك لا إني على ثقة من الخلود و لكن سنة الدين
فما المعزى بباق بعد ميته و لا المعزي و لو عاشا إلى حين
ونحن بترديدنا هذه الكلمات نعمق ذكر الموت في قلوبنا و في قلوب من حولنا لذلك نستحق المكافاة التي اخبر عنها النبي عليه الصلاة والسلام في قوله:" ما من مؤمن يعزي اخاه بمصيبته إلا كساه الله من حلل الجنة".
مسافر على الطريق
جاء رجل إلى الفضيل بن عياض فقال: عظني، فقال: كم تبلغ من العمر؟ قال: ستين عاما.قال: فأنت تسير إلى الله منذ ستين عاما توشك إن تبلغ. فقال الرجل: إنا لله إنا إليه راجعون. قال الفضيل: من علم أنه إلى الله راجع… علم أنه بين يدي الله موقوف… و من علم أنه بين يدي الله موقوف… علم أنه بين يدي الله مسئول… و من علم أنه بين يدي الله مسئول فليعد لكل سؤال جوابا.
قال الرجل وكان قد اساء: ماذا افعل وقد أسأت فيما مضى؟
قال الفضيل: إن كنت أسأت فيما مضى فأصلح فيما بقي، فانك إن اسات فيما بقي اخذت بما مضى و ما بقي.
يا معرضا عن عرضه و حسابه لا يستعد ليوم نشر كتابه
متعللا بعياله و بمالــــــه متلهيا في أهله و صحابه
متناسيا لمماته و ضريحه و نشوره ووقوفه و مآبه
القول قول مصدق و الفعل فعل مكذب بثوابه و عقابه
من قال قولا ثم خالف قوله بفعاله ففعاله أولى به
2- القلب:
ذكر الموت بالقلب يكون بان يتامل الإنسان حاله بعد موته و إلام المصير؟
الاعين التي التذت بالحرام سالت عبى الوجنات و الأقدام التي سعت في الباطل دفنتها الرمال، و الايدي التي بطشت و سرقت قطعت من مفاصلها، و الوجوه الناضرة و الشعور الساحرة و القوام الأهيف كل هذه غزاها الدود و علاها.
يمتلئ القلب بهذه المعاني فيقصر امله و يستشعر قرب الرحيل و لا يعود يحدث نفسه إلا بزاده و ما يجب عليه فعله.
يا أخي … افق من رقادك، و احضر قلبك معك من بيتك، و العلم انه لا نوم اثقل من الغفلة و لا رق املك من الشهوة، و لا مصيبة كموت القلب، و لانذير ابلغ من الشيب.
يا أخي…مم خلق قلبك ؟ من صخرة أم من فولاذ؟ اتدعي العجز عن الطاعة و في المعاصي استاذ؟.
يا أخي.. المشكلة في أن بصرك قوي ، لكن بصيرتك ضغيفة.
انفع يوم
قالوا لعون بن عبد الله: ما انفع أيام المؤمن له؟ قال: يوم يلقى ربه فيعلم انه عنه راض، قالوا: إنما اردنا من أيام الدنيا. قال : إن من انفع أيامه له في الدنيا ما ظن انه لا يدرك اخره.
وهكذا كان أبو زرعة الشامي، بل و أكثر من ذلك، قال يوما لصاحبه إبراهيم بن نشيط: لأقولن لك قولا ما قلته لأحد سواك ما خرجت من المسجد منذ عشرين سنة فحدثن نفسي أن ارجع إليه.
3- الجوارح
ذكر الموت بالجوارح يكون بأن يقدم كل واحد منا ما يستطيع بذله من عمل صالح يتقرب به إلى الله، ويؤنس به وحشة قبره و ينير ظلامه، و يحضر معه شهود الاثبات حين ينزل أول منازل الآخرة : القبر.
أداء الشهادة
انظر إلى هذه النماذج التي اصطحبت معها في قبرها ما تتقرب به إلى ربها لتنا بها الشفاعة:
سعد بن أبي وقاص: آخر العشرة المبشرين بالجنة موتا، و فد اوصى أن يكون شاهد إثباته جبة صوف كان لقي المشركين فيها يوم بدر، فقال: أخبئها لهذا ، فكفن فيها.
علي بن عبد الله بن حمدان( سيف الدولة): جمع من نفض الغبار الذي اجتمع عليه من غزواته شيئا ، و عمله لبنة بمقدار الكف، و اوصى أن يوضع خده عليها في لحده، فنفذت وصيته.
القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق: احد الفقهاء السبعة الذي اوصى و قال: كفنوني في ثيابي التي كنت اتهجد فيها.
ترى …ما حالك أنت؟ أي عمل من الصالحات سيؤنس وحشتك بعد موتك؟ جبة قتال، أم لبنة جهاد، أم ثياب تهجد؟
قال رجل للإمام احمد: اوصني، فقال له احمد: انظر إلى أحب ما تريد أن يجاورك في قبرك فاعمل به.
أخي .. بادر من الآن…الان…الان
قبل أن تمرض فتضنى ، و تهرم فتبلى، ثم تموت و تنسى، ثم تدفن فتطوى، ثم تبعث فتحيا، ثم تدعى، ثم توقف، ثم تجزى.
أخي… غدا تسافر فأين زادك؟ انقلة إلى غير مسكن؟ اسفرة من غير تزود؟ اقدوم إلى بلاد ربح بغر بضاعة؟
و تاه المسافرون
مر أبو الصهباء صلة بن لشيم باناس يلعبون وقت الصلاة ، فققال لهم: يا قوم… ما رايكم في قوم ارادوا سفرا حادوا عن طريقه نهارا ناموا فيه ليلا…اصابوا أم اخطاوا؟ قالوا: اخطاوا.
و مر عليهم في اليوم التالي فوجدهم على نفس الخال، فاعاد عليهم مقالته و اعادوا نفس الرد ، وفي اليوم الثالث كذلك، و عندها قال احدهم: ما أراد صلة بكلامه أحدا سوانا، فنحن اردنا سفرا إلى الجنة وحدنا عن طريقه نهارا، و نمنا فيه ليلا فكيف نصل؟ فتابوا و صحت توبتهم
من فوائد العصا!!!
قيل لاحد الصالحين: مالك تدمن امساك العصا، و لسن بكبير و لا مريض ؟ فقال:
لا الضعف اوجب حملها علي ولا أني تحنيت من كبر
و لكنني الزمت نفسي حملها لاعلمها أن المقيم على سفر
فوئد ذكر الموت
1- شغل الأوقات:
الوقت البطيئ السريع… متحرك دائب المضي ، و لا يعود بعد مروره فخسارته خسارة لا يمكن تعويضها، لان لكل وقت ما يملؤه من العمل.
إذا كنت اعلم علما يقينا بأن جميع حياتي كساعة
فلم لا أكون بها ضنينا و اجعلها في صلاح وطاعة
و لذلك نقل عن رجل من السلف أن قوما دخلوا عليه فقالوا: لعلنا شغلناك. قال: اصدقكم… كنت اقرأ القرآن فتركت القرآن لأجلكم!!
ولذات السبب لما وقف قوم على رجل صالح و قالوا: إنا سائلوك، افتجيبنا أنت ؟ قال: سلوا ولا تكثروا، فان النهار لا يرجع، و العمر لن يعود، و الموت حثيث في طلبي ذو اجتهاد.
إخواني…
السنين مراحل، و الشهور فراسخ، و الأيام اميال، و الانفاس خطوات، و الطاعات رؤوس أموال، والمعاصي قطاع طرق، و الربح الجنة، و الخسران النار.
صدق أو لا تصدق
و اسمعوا خبر قاضي قضاة الدنيا يعقوب بن إبراهيم الانصاري، صاحب أبي حنيفة و تلميذه و ناشر مذهبه يباحث وهو في النزع الأخير بعض عائديه في مسالة فقهية رجاء أن ينتفع بها المسلمون.
قال تلميذه القاضي إبراهيم بن الجراح الكوفي: مرض أبو يوسف فاتيته اعوده فوجدته مغمى عليه فلما افاق قال لي: يا إبراهيم ما تقول في مسالة؟
قلت: في مثل هذه الحالة؟
قال: و لا باس بذلك، ندرس لعله ينجو به ناج، ثم قال: يا إبراهيم ايهما أفضل في رمي الجمار: إن يرميها ماشيا أم راكبا؟
قلت :راكبا. قال: اخطات.
قلت : ماشيا. قال: اخطات.
قلت : قل فيها يرصى عنك الله.
قال: أما ما كان يوقف عنده الدعاء فالافضل أن يرميه ماشيا، أما ما كان لا يوقف عنده فالافضل إن يرميه راكبا، ثم قمت من عنده فما بلغت باب داره حتى سمعت الصراخ عليه و إذا هو قد مات.
2- العفو و التسامح:
ما قيمة الحقد والكراهية بين من سيصيرون ترابا عن قريب، و ما معنة الغيظ و البغض و نحن عن قريب راحلون و للدنيا نفارقون و لنعيمها تاركون.
قيل لأبي الفضل يوسف بن مسرور: فلان يتكلم فيك. فقال: إنما مثلي و مثله كمثل رجل حمل لضرب عنقه فقذفه رجل في الطريق، فقال لنفسه: أنت تحمل للقتل تسال عمن يقذفك ؟ وأنا سائر إلى الموت لا ادري متى ياتيتني . اسال عمن يتكلم في؟ في الموت ما يشغلني عن ذلك.
نعش يتكلم
دخل بهاء الدين السبكي على الشيخ برهان الدين الانباسي يعوده و مان امامهما نعش ، فنظر السبكي إلى النعش، ثم قال للانباسي: يا شيخ برهان الدين، أتدري ما يقول هذا النعش؟ فقال: انه يقول:
انظر إلي بعقلك أنا المعد لحملك
أنا سرير المنايا كم سار مثلي بمثلك.
3- الانفاق في سبيل الله
سال النبي عليه الصلاة والسلام اصحابه يوما:" ايكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟" قالوا: ليس منا احد إلا و ماله أحب إليه من مال وارثه. قال:" فان ماله ما قدم و مال وارثه ما آخر".
و لذلك قال ابو عمران الجوني:
من قرب الموت من قلبه استكثر ما بين يديه.
الانفاق ثمرة و دواء
و كما أن الانفاق احدى ثمار ذكر الموت، فانه أيضا دواء لمن شكاطول الأمل و كراهية الموت.
جاء رجل إلى احد الصالحين قائلا: إني اكره الموت
فقال له الرجل الصالح: ألك مال؟
قال: نعم، قال : فقدمه، فان الرجل إذا قدم ماله في سبيل الله أحب إن يلحق به.
و هذا كلام حق وصدق، لأن من ينفق ماله في سبيل الله إنما يشتري به رقعة من الجنة ، و كلما زاد انفاقه هنا زادت املاكه هناك، فاحب إن يعاين ما اشترى و يشهاد ويرى … و لا سبيل إلى ذلك إلا بان يموت لذا أحب إن يموت.
4- المسارعة في الخيرات
كان غير واحد من السلف لو قيل له: ستموت غدا ما استطاع أن يزيد في عمله.
و هذا لإمتلاء قلوبهم بدنو الأجل و قرب الرحيل، و القدوم على نتيجة اعمالهم و جزاء سعيهم.
ويظل العمل دائبا لان المرء ما يدري هل رجحت كفة الحسنات على السيئات؟ أم أن السيئات ما تزال أكثر.
فهم هذا عبد الله بن المبارك، فلما قيل له: يا ابا عبد الرحمن إلى متى تكتب هذا الحديث ؟ فقال: لعل الكلمة التي انتفع بها ما كتبتها بعد.
إخواني… لو أن افجر أهل الأرض حبس في داره و قيل له : ستقتل بعد ساعة…لصار في هذه الساعة اتقى أهل الأرض.
توزيع الغنائم
قال عمر بن ذر: قرات كتاب سعيد بن جبير إلى أبي: يا ابا عمر… كل يوم يعيشه المؤمن غنيمة.
من يسبق الشهيد؟
عن طلحة بن عبيد الله أن رجلين من بلي قدما على رسول الله عليه الصلاة والسلام و كان اسلامهما معا، فكان احدهما اشد اجتهادا من إلا خر، فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي، قال طلحة: فرأيت في المنام… بينما أنا عند باب الجنة إذا أتى بهما فخرج خارج الجنة، فأذن للذي توفي في الآخر منهما ثم خرج، فأذن للذي استشهد، ثم رجع إاي فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد، فصبح طلحة يحدث به الناس فتعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام و حدثوه الحديث!!فقالوا يا رسول الله…هذا كان اشد الرجلين اجتهادا ثم استشهد، ودخل هذا الآخر الجنة قبله، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام :" اليس قد مكث هذا بعده سنة ؟ قالوا بلى، قال:" و ادرك رمضان فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟ قالوا: بلى، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:" فما بينهما ابعد مما بين السماء والأرض".
و ماذا بعد الكلام
1- احرص على زيارة المقابر مرة في الشهر، و ادع في هذه الزيارة لأموات المسلمين، من عرفت ومن لم تعرف.
2-* شيع جنازة كلما استطعت و اذكر:" من تبع جنازة ايمانا واحتسابا، و كان معها حتى يصلى عليها و يفرغ من دفنها ، فانه يرجع من الاجر بقيراطين كل قيراط مثل احد، و من صلى عليها ثم رجع قبل أن يدفن فانه يرجع بقيراط من الاجر".
3- لا تصرف جزء من وقتك في عمل تندم عليه بعد الموت… املأاوقات فراغك بما يفيدك في أمر دنيا أو أمر اخرة.
4- اعف عمن ظلمك… صل من قطعك…اعط من حرمك…فالدنيا جيفة لا تستحق التنازع من اجلها… وكلنا على سفر منها عاجلا أم اجلا.
5- انفق مالك قبل إن يوزع غدا على الورثة، و كلما كان انفاقك في الدنيا أكثر كانت املاكك في الجنة اكبر.........
[SIZE=3]يتبع................