النسمة الخامسة
من عرف قرب الله استحيا منه..
و اجتنب الإساءة و قدم الإحسان..
و اعترف بالفضل و اقر بالعصيان..
و أسرع بالإنابة..
و أعلن الصلح مع مولاه.
أما آن لك إن تستحيي من
1- نفسك:
استح من سمعك و بصرك و جلدك الذين جعلهم الله و كأنهم جواسيس عليك تراك حيثما كنت و تنقل أخبارك يوم الشهادة أمام الله على أعتاب جهنم.
قال سبحانه و تعالى:" حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم و أبصارهم و جلودهم بما كانوا يعملون".
و هذا هو ما اضحك النبي عليه الصلاة والسلام، فعن انس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله عليه الصلاة والسلام فضحك فقال:" هل تدرون مم اضحك". قلنا: الله ورسوله اعلم، قال:" من مخاطبة العبد ربه، يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟!قال: يقول: بلى. قال: فيقول: فاني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني. قال: فيختم على فيه، فيقول لأركانه: انطقي، فتنطق بأعماله. قال: ثم يخلي بينه و بين الكلام. قال: فيقول: بعدا لكن و سحقا فعنكن كنت أناضل".
و الذي ألهى هذا و أمثاله عن الله و صرفه عن الآخرة هو ما واجه الله عز وجل به أهل النار يوم الحساب فقال:" و ما كنتم تسترون إن يشهد عليكم سمعكم و لا أبصاركم و لا جلودكم و لكن ظننتم إن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون".
لطيــفة
ولقد قال عبد الله بن عبد الأعلى الشامي فأحسن:
العمر ينقص و الذنوب تزيد و تقال عثرات الفتى فيعود
هل يستطيع جحود ذنب واحد رجل جوارحه عليه شهود
و المرء يسال عن سنيه فيشتهي تقليلها و عن الممات يحيد
2- الخلق:
ذلك إن الخلق – كل الخلق- يسبح الله و لا يفتر عن ذكره... الحيوان و الجماد و الإنس و الجان و الملائكة والبحار و الجبال و السهول و القصور...و صدق ربنا عز وجل إذ يقول:" و إن من شيء إلا يسبح بحمده و لكن لا تفقهون تسبيحهم".
و ها هو النبي عليه الصلاة والسلام يخبرنا في حديث يبين فيه كثرة العابدين لله و ازدحام السماء بهم فقال:" أطت السماء و يحق لها إن تئط، و الذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر إلا و فيه جبهة ملك ساجد يسبح الله بحمده".
سبحان الله.. السماء تصيح و تئن من ثقل ما عليها من ملائكة سجود لرب العالمين. ( الاطيط: صوت الإبل من كثرة أحمالها).
بل إن من خلق الله ما لا يدركه عقل و لا يتصوره بشر، خلقه الله للتسبيح و الذكر، أخبرك عن عظم خلقه و ضخامة حجمه رسول الله فيقول:" أذن لي إن احدث عن ديك من حملة العرش رجلاه في الأرض السفلى و على قرنه العرش، و بين شحمة أذنيه و عاتقه خفقان الطير سبعمائة عام، يقول ذلك الملك: سبحانك حيث كنت".
قل معي وردد: سبحان الله... و تبارك الله... و تمجد الله... بل تتابع عليك أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام:" ليس شيء إلا وهو أطوع لله تعالى من ابن ادم".
سمع هذا الحديث التابعي الثقة عبد الله بن عون المصري فانطلق يقول:
أما يستحيي أحدكم إن تكون دابته التي يركب، و ثوبه الذي يلبس أكثر ذكرا لله منه؟!
قبل إن تحترق
أخي الحبيب... أسالك وأقول لك:
ارايت نجما في المجرة كلها ترك المجرة و استخف المقصدا
لو حاد عن أمر الله عظيمها لهوى من العليا ودك و جددا
و لشاط في جو السماء محرقا و محذرا من قد عصاه و عاندا
فطرت حياتك للحنفية سمحة و مدار أجرك بالشريعة حددا
أيكون عهدك في الوجود عجيبة و تروح وحدك فاجرا أو ملحدا
أخي... كما إن النجم إذا ترك مداره الذي حدد الله له...احترق كذلك الإنسان الذي يخرج عن مدار طاعة الله و مسار الخضوع لله يحترق ليس في الدنيا بل في دار جهنم.. فلا تنحرف عن المسار ... وتشذ عن المدار و تصادم الأقدار حتى تنجو من حر النار.
3- الملائكة:
استح من الملكين الحفظة اللذين يرصدان عليك الكبيرة والصغيرة و ينقلان إلى الله أخبارك و يرقبان أفعالك و يحصيان أنفاسك ما كان لهما إن يغفلا... ما كان لهما إن يناما و يريان منك العصيان وهما لا يعرفان معنى العصيان بل يفعلان ما يؤمران شاهدان لك أو عليك واقفان في صفك إن أطعت و ضدك إن اسات و سيقومان بأداء الشهادة و تسليم الأمانة في اليوم الذي قال لنا الله عز وجل عنه:" ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه و يقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها". قال ابن عباس رضي الله عنه: الصغيرة التبسم الكبيرة الضحك.
و لذا اخلص لك مجاهدا لنصح حين أشفق عليك فقال:
" اشتكى القوم الإحصاء و ما اشتكى احد ظلما فإياكم و محقرات الذنوب فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه".
إن من يفعل الفواحش سرا حين يخلو بسره غير خال
كيف يخلو و عنده كاتبان شاهداه و ربه ذو الجلال
لطيفة
روى مالك بن دينار إن رجلا كان على حماره بجوار نهر فنزل عنه و أطلق بفمه صفيرا فاختلف ملك الحسنات و ملك السيئات، قال ملك السيئات : ما أراد إلا اللهو، و قال ملك الحسنات: أراد إن يسقي حماره، فبعث الله لهم ملكا يقول: اكتبا الصفير و على الله التفسير.
إن من يعتدي و يكسب إثما وزن مثقال ذرة سيراه
و يجازى بفعله الشر شرا و بفعل الجميل أيضا جزاه
هكذا في قوله تبارك ربي في ( إذا زلزلت ) و جل ثناه
أخي.. استح كذلك من...
4- الرجل الصالح من قومك:
لقول النبي عليه الصلاة والسلام:" أوصيك إن تستحيي من الله تعالى كما تستحيي من الرجل الصالح من قومك".
أخي... أصدقني القول ما الذي ستفعله لو إن رجلا صالحا من أقاربك نزل دارك و زارك ثم طلب إليك إن تصلي معه.. ما هو حالك إذا كنت لا تصلي؟!أو طلب إليك إن تقرا معه في كتاب الله... ما هومصحفك يعلوه التراب لم تمسه منذ شهر رمضان الذي فات أو طلب إليك إن تريه اقرب مسجد و أنت قعيد البيت و طريح الوسادة لا تصلي إلا في البيت... ما هو حالك و ما هو رد فعلك؟!
لا شك انك ستصلي و تقرا وتروح إلى المسجد حياء منه ومراعاة لشعوره وسترا لنفسك فأين هذه المشاعر مع الله؟!
أخي... حذار إن تكون كما قال فرقد السنجي حين وصف المنافق فقال: إن المنافق ينتظر فإذا لم ير أحدا دخل مدخل السوء و إنما يراقب الناس و لا يراقب الله.
5- الحياء الأكبر من الله:
أخي... استح من الله " الذي يراك حين تقوم و تقلبك في الساجدين"، إلا تعلمون إن من صفاته انه" يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور"، و انه يطلع عليكم حال سركم و جهركم، في ليلكم ونهاركم " وهو معكم أينما كنتم"، هذا الذي يتمادى في غيه و يغرق في ذنبه " الم يعلم بان الله يرى"، لا تظنوا الله غافلا معا تعملون، لا تحسبوه لا يرى ما تصنعون" إن الله كان عليكم رقيبا"، بل هو سبحانه القائل عن ذاته انه" قائم على كل نفس بما كسبت" كل نفس... بما فيها أنت أيها القارئ.
قال حميد الطويل لسليمان بن علي:
لئن كنت إذا عصيت الله خاليا ظننت انه يراك لقد اجترأت على أمر عظيم، لئن كنت تظن انه لا يراك فقد كفرت.
ويحك...
قال أبو الفرج ابن الجوزي:
الله...الله...الله... دافع عنك قبل وجودك فقال مدافعا عن خلقك:" أني اعلم ما لا تعلمون"، و استكثر قليل عملك فقال:" و الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات". واعتذر لك من زلة أبيك وأمك فقال (فدلاهما بغرور )وغطي قبيح فعلك برداء (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم) وأربحك في معاملته فقال (فله عشر أمثالها ، ومن دافع عنك وأنت مفقود لا يخذلك وأنت موجود ، وكما قدمك علي سائر المخلوقات فقدمه في قلبك علي سائر المطلوبات
الله أم الملك
راقب الله في كل حركاتك وسكناتك ، وخطراتك ولفظاتك ، أما ترضي أن تراقبه وتعامله كما تعامل ملكا من ملوك الأرض؟ وتخيل حالك لو كلفوك بحراسة الملك ؟فكر ابن القيم بالنيابة عنك فقال :
هان سهر الحراس لما علموا أن أصواتهم بسمع الملك
نماذج فريدة
أ-ابن عمر وراعي الغنم:
قال:بد الله بن عمر إلي مكة فنزل في بعض الطريق فانحدر عليه راع من الجبل فقال له: يا راع بعني شاة من هذا الغنم، فقال:إني مملوك.فقال :قل لسيدك أكلها الذئب .قال : فأين الله ؟فبكي ابن عمر، ثم عاد إلي مولاه فأعتقه، واشتري له الغنم، ومن ترك شيئا لله في الحرام أبدله الله به في الحلال..عف عن غنمة واحدة ،فملكه الغنم كله.
ب-حياء يقهر الشهوات
كان فتي من أهل المدينة يشهد الصلوات كلها مع عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ، وكان عمر يتفقده إذا غاب عنه ، فعشقته امرأة من أهل المدينة فذكرت ذالك لبعض نسائها فقالت : أنا احتال لك عليه فأدخله عليك، فقعدت له في الطريق فلما مر بها قالت له :أنا امرأة كبيرة في السن لي شاة لا أقوي علي حلبها فهل لك في ثواب الله ؟فدخل الدار فإذا بالمرأة تراوده عن نفسه فاستعصم ، فلما أبي عليها صاحت فاجتمعوا عليها فقالت : إن هذا دخل علي يراودني علي نفسي فوثبوا عليه فجعلوا يضربونه وأوثقوه وذهبوا به إلي عمر الذي ما عن رآه حتى قال :اللهم لا تخلف ظني فيه فقصوا عليه الخبر فالتفت عمر إلي الفتي وقال : أصدقني فأخبره بالقصة فقال عمر : أتعرف العجوز إن رايتها ؟قال : نعم فأرسل عمر إلي نساء جيرانها فجاء بهن فعرضهن عليه ، فجعل لايعرف حتى مرت به العجوز فقال: هذه ياأمير المؤمنين فعلاها عمر بدرته المباركة وقال : أصدقيني فقصت عليه كما قص الفتي .فصاح عمر :
الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف !!
ج-زواج المبارك مبارك :
هو زواج المبارك والد الإمام الحجة شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك ، كان عبدا من الرقيق أعتقه سيده ثم عمل أجيرا عند صاحب البستان وفي ذات يوم خرج صاحب البستان مع أصحاب له إلي البستان وقال للمبارك ائتنا برمان حلو فقطف رمانات فإذا هي حامضة فقال صاحب البستان : أنت ما تتعرف الحلو من الحامض ؟ قال : أنت لم تأذن لي لأعرف الحلو من الحامض فقال : أنت من كذا وكذا سنة تحرس البستان وتقول هذا ؟ وظن انه يخدعه فسأل الجيران فقالوا ما أكل رمانة واحدة منذ عمل هنا فقال له صاحب البستان يا مبارك ليس عندي إلا ابنة واحدة فلمن أزوجها ؟قال المبارك : اليهود يزوجون للمال و النصارى للجمال والعرب للحسب والمسلمون يزوجون للتقوى ربه والذيصناف أنت ؟ زوج ابنتك للصنف الذي أنت منه فقال: وهل يوجد اتقي منك ؟ ثم زوجه ابنته فأنجب منها الإمام المبارك عبد الله بن المبارك " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ".
ثلاثة دواوين
إعلم أخي المستحي انه ما من عمل تعمله إلا وتنشر له يوم القيامة ثلاثة دواوين:
لم : لله أم للشيطان ؟ للدين أم للهوى؟ للجنة أم للنار ؟لإسعاد الملائكة أم لإحزانهم ؟ لمعاداة إبليس أم لموالاته ؟ فإن كان لله مضي وإن كان لغيره تأخر.
كيف : فإن كان العمل لله فكيف يؤدي العمل ..بقلب حاضر ..أم بغيابه عن ضميرك ؟.
لمن: هل كان مخلصا في عمله لا يبغي به سوى وجه الله ؟هل أشرك في نيته احد من خلق الله ؟ هل راءى بعمله ؟ هل سمع بعمله ؟
أخي الحيي..أنت مؤمن ..والمؤمن وقاف متأن يقف عند همه ،ليس كحاطب ليل .
كيف تتعلم الحياء وتحسن المراقبة؟
1-أسلوب سهل سهل :
قال سهل بن عبد الله التستري: كنت و أنا ابن ثلاث سنين أقوم بالليل فانظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار فقال لي يوما إلا تذكر الله الذي خلقك ؟ فقلت : كيف اذكره؟ فقال: قل بقلبك عند تقلبك بثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك لسانك:
الله معي... الله ناظري...الله شاهدي
فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته به فقال: قل ذلك كل ليلة إحدى عشر مرة فقلته فوقع في قلبي حلاوة فلما كان بعد سنة قال لي خالي: احفظ ما علمت و دم عليه إلى إن تدخل القبر فانه ينفعك في الدنيا و الآخرة فلم أزل على ذلك سنين ثم قال لي خالي يوما : يا سهل، من كان الله معه و ناظرت إليه و شاهده ...ايعصيه؟!
إياك و المعصية
أخي الحيي..
* إذا غاب العقل و غلبت الشهوة و دنا الذنب و سكر القلب.. تذكر: الله معي..الله ناظري.. الله شاهدي.
إذا غاب الرقيب... و فقد الشهيد... ونامت العيون...تذكر: الله معي.. الله ناظري...الله شاهدي.
2- استحضار نعم الله:
كم مرة مرضت فيها فشفاك، و نزلت بك نازلة فنجاك، و ألم بك الجوع و العطش فأطعمك وسقاك، و ابتلاك بالمصائب ليغفر لك الذنوب وقصدك بالبلايا ليمحو الخطايا انعم عليك بالإسلام و ملايين البشر في بحار الكفر غارقون و أفاض عليك بنعم السمع و البصر و الفؤاد و المحرومون كثيرون تبارزه بالمعاصي و يحبك و تعصيه و يغفر لك و تهتك ستر الله عليك و يوالي أستاره عليك فيحسن وتذنب فينعم و تقطعه فيصلك لا يمنعه إساءة لسانك بالكذب أن يحرمك نعمة الكلام و لا إساءة بالنظر إلى الحرام إلى إن يحرمك نعمة الإبصار و لا إساءة الأذن بالاستماع إلى المحرم و الفحش من القول إلى إصابتك بالصمم.
انعم عليك بنعم تعرفها ونعم لا تعرفها نعم تشعر بها و لا تحس بها نعم أورثك اعتياد رويتها نسيان شكرها فلا تعرف ثمنها إلا بفقدها.
واعظ الرشيد
دخل محمد بن صبيح الشهير بابن السماك على هارون الرشيد و في يده شربة ماء فقال: ارايت إن حرمتك هذه الشربة بكم كنت تشتريها؟ قال بنصف ملكي. قال ارايت إن حرمت خروجها منك بعد شربها فبكم كنت تشتري ذلك قال بملكي كله قال ابن السماك ملك لا يساوي شربة وبولة.
أربع و عشرون ألف نعمة يوميا!!
قال ابن القيم:
" و يكفي أن النفس من أدنى نعمه التي لا يكادون يعدونها وهو أربعة وعشرون ألف نفس في كل يوم و ليلة فلله على العبد في النفس خاصة أربعة و عشرون ألف نعمة كل يوم و ليلة و لكل نعمة من هذه النعم حق من الشكر يستدعيه و يقتضيه".
أساتذة الأعراب يعلمون
فيها و لا تعرفها لتشكرها فأعجبه ذلك و قال: ما أحسن تقسيمه!! يحكى أن أعرابيا دخل على هارون الرشيد فقال له: يا أمير المؤمنين... ثبت الله النعم التي أنت فيها بإدامة شكرها و حقق لك النعم التي ترجوها بحسن الظن به و عرفك التي أنت.
3- ماذا تساوي في ملك الله؟
و مما يدفعك إلى الحياء دفعا و يحثك على استشعار مراقبة الرب سبحانه و تعالى معرفة حجم هذا الكون العظيم و معرفة قدرك فيه و اسمع الحديث الأول :
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: " ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة".
لكن ما قدر السماوات السبع؟!
اسمع الحديث الثاني: قال ابن مسعود:" بين السماء و التي تليها خمسمائة عام، و بين كل سماء و سماء خمسمائة عام و بين الكرسي و الماء خمسمائة عام و العرش فوق الماء و الله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم".
لكن ما نسبة العرش إلى الكرسي؟
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:" و فضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة".
و الآن هل علمت قدرك أيها الإنسان؟ أنت جزء من دنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة فلماذا التكبر و لماذا العصيان و علام الطغيان.
4- الخوف من حبوط العمل:
و هذا التهديد أرسله النبي عليه الصلاة والسلام إلى صاحب الوجهين و ذي اللسانيين الذي يكون مع الناس بحال الطائع و إذا خلا بربه بحال العاصي.
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:" لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم و يأخذون من الليل كما تأخذون و لكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها".
فاستشعر الخوف من حبوط عملك الصالح، و خف على حسناتك واحرص على طاعاتك و لا تضيع جهدك سدى، لا تكن كمن سار ليلا فلما طلع عليه النهار وجد نفسه في الطريق الخطأ، و احرص على رضا الله لا رضا الخلق، فرضاهم عنك غاية لا تدرك و آمال في الأحلام.
أيهما أيسر؟
قال سلمة بن دينار : تزين العبد لله يورث محبة الخلق له ، و تزين العبد للخلق يورث بغض الله له، و لمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها، انك إذا صانعت الله ( أرضيته) مالت إليك الوجوه كلها، و إذا أفسدت ما بينك و بينه كرهتك الوجوه كلها.
الداعية الهالك.
كان يحي بن معاذ ينشد في مجالسه:
مواعظ الواعظ لن تقـبلا حتى يعيها قلبـــه أولا
يا قوم من اظلم من واعظ قد خالف ما قاله في الملا
اظهر بين الناس إحـسانه و بارز الرحمن لما خـلا
5- الاستبشار بثواب عبادة السر:
و من أساليب التدريب على استشعار مراقبة الله الاستبشار بثواب العبادة الخفية، و كفى من ثوابها إن ثلاثة من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله هم من أصحاب عبادات السر... " و رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله م تنفق يمينه، و رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه".
و هذا الثواب راجع إلى أن عبادة السر أقرب إلى الإخلاص و أبعد عن الرياء و المباهاة، و أكسر لحظ النفس من الشهرة و العجب، و لهذا جاء في بعض الآثار أن عبادة السر تفضل عبادة العلن بسبعين ضعفا، فاستشعر قدر هذا الثواب يهن عليك حفظ محارم الله في السر و العلن و تكن عند الله من المقربين الأبرار.
* و لهذا يبشرك كعب الأحبار بقوله: من تعبد لله ليلة حيث لا يراه احد يعرفه خرج من ذنوبه كما يخرج من ليلته.
* بل قال عمرو بن العاص : ركعة بالليل خير من عشر بالنهار.
* و يأتيك بالثالثة حذيفة بن قتادة فيقول: إن أطعت الله في السر أصلح قلبك، شئت أم أبيت.
غضبة تميمية
قال رجل لتميم الداري: ما صلاتك بالليل ؟ فغضب غضبا شديدا، ثم قال: و الله لركعة أصليها في جوف الليل في سر أحب إلي من أن أصلي الليل كله ثم أقصه على الناس.
مروءة خفية
كان عبد الله بن المبارك كثيرا ما يسافر إلى الرقة، و ينزل في خان فيها، فكان شاب يأتي إليه... و يقوم بحوائجه، و يسمع منه الحديث، فقدم عبد الله الرقة مرة... فلم ير ذلك الشاب، فسأل عنه، فقالوا: أنه محبوس لدين ركبه، فقال عبد الله: و كم مبلغ دينه؟ فقالوا: عشرة آلاف درهم، فدعا عبد الله صاحب المال ليلا و أعطاه عشرة آلاف درهم... و حلفه أن لا يخبر أحدا ما دام حيا، و قال له: إذا أصبحت فاخرج الرجل من الحبس، فلما خرج الفتى من الحبس.. قيل له: عبد الله بن المبارك كان ها هنا... و كان يسأل عنك، فخرج الفتى في أثره، فلما قابله.. قال عبد الله : يا فتى .. أين كنت؟!لم أرك في الخان. قال: كنت محبوسا بدين. قال: فكيف كان سبب خلاصك؟!قال: جاء رجل فقضى ديني، و لم اعلم به حتى أخرجت من الحبس، فقال عبد الله: احمد الله على ما وفق لك من قضاء دينك، ثم فارقه و مضى.
صدق أو لا تصدق
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:" صلاة الرجل تطوعا حيث لا يراه الناس تعدل صلاته على أعين الناس خمسا و عشرين".
بمعنى انك يا من صليت النوافل في بيتك في سنة حصلت اجر من صلاها في المسجد خلال 25 سنة.
ولهذا اخبر النبي عليه الصلاة والسلام:
" أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة".
النداء الأخير
إلى متى الغفلة و الملاهي و ملك الموت يطلبك و أنت ساهي، و إلام تروح في طلب المال و تغدو و سائق الردى وراءك يحدو.
ألا و إن بذل الاستطاعة و استقصاء الجد في الطاعة هو انفع عمل لمن سيدخل القبر بعد ساعة.
عملك عملك... صلاتك صلاتك...صلاحك صلاحك
سيصحبك على التخت مغسولا...و يرافقك على النعش محمولا... و يكون معك و هم يصلون عليك في المصلى.. و يلازمك و أنت في الحفرة مدلى..
فإذا أيقظتك نفخة النشر،و فاجأتك أهوال الحشر.. و فر منك أمك و أبوك،
و أختك و أخوك..
وجدت عملك الصالح يذهب معك حيثما ذهبت..
و يرد معك أينما وردت..
في القبر ..يؤنس وحشتك..
و يلقي عليك السكينة حال دهشتك.. و يسرج لك النور في ظلمتك
و يوم القيامة.. يظلك في ظل عرش الرحمن
و يهون عليك طول القيام للملك الديان..
يا أخي... أو ألهاك الرزق عن الرزاق،أو شغلتك النعم عن المنعم، أو أخذك الخلق عن الخالق..ما تهتز فيك ذرة و الموت يناديك كل يوم مائة مرة، و الله لو كان للخشب قلوب لصاحت، و لو إن للحجارة أرواح لناحت، يحن الجزع لرسول الله و أنت لا تحن.
قل لي بربك..
إذا وقعت الواقعة..و نودي فيك بالرحيل ..و ما نفعك من مالك كثير أو قليل..
و نادى المغسل بسرعة تسخين المياه، و الكل في شغل عنك و ملهاة.. الطبيب يقلب
كفيه، و العائد يغمز بعينيه!!و الورثة ينتظرون إعلان الوفاة..
حتى إذا انقطع نفسك، و خفت صوتك
أينفعك حينئذ حلال أصبته، أو حرام غصبته،
أو ولد حضنته، أو زرع غرسته، أو زوجة أحببتها، أو دنيا جمعتها؟!كلا..كلا..
كلا والله لا يفيدك إلا خير أمضيته، أو رحم وصلته، أو خصم أرضيته، أو ركعة في ظلام الليل ركعتها، أو دمعة من خشية الله ذرفتها، أو صدقة ابتغاء وجه ربك بذلتها.
و ماذا بعد الكلام
إياك وذنوب الخلوات ، فإنها تحبط أجر عبادات العلن.
استح من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك.
ليكن لك حظ من عبادة السر لا يعلم بها احد إلا الله.
أد صلاة النافلة في بيتك،فهي أعظم أجرا.
صدقة في السر أزيد في البر و أحب للرب و طريق إلى أن تكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة.
البكاء خاليا عبادة حاول إن تصل إليها، و لا تيأس من روح الله.
حاول إن يكون لك اعتكاف أسبوعي في مسجد لا يعرفك فيه احد( بين المغرب و العشاء).
قم ليلة في الأسبوع قبل الفجر و صل ركعتي قيام حتى تنال جائزة:" فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون".
يتبع............