النسمة الثالثة
عندما يفرح الرب
ما أغلى توبتك عند ربك.فهي مفتاح رضاه عنك وعنوان محبته لك وسر قربك منه وأقصر طرقك إليه..
أشرف وسام وأغلي مقام وغاية مرام..
لماذا تتوب
*لأن الله أمرك وأمر كل مؤمن معك (وتوبوا إلي الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون )فإذا كان المؤمن التائب يرجوا الفلاح ولا يستيقنه فماذا يصنع العاصي المصر علي الذنوب ؟
*لان ميزانك سينصب أمام عينيك يوم القيامة،فتوضع حسناتك في كفة وسيئاتك في كفة،ولا سبيل إلي ترجيح كفة الحسنات إلا بالتوبة النصوح التي تمحوا السيئات ،فترجح الكفة الأخرى ويكون الفوز المبين.
*لان التائب حبيب الرحمن، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والعاصي إذ اذكر ذنبه فوجل منه قلبه محي عنه في أم الكتاب، وأنساه الله الحفظة.
*لأن حقوق الله علي عباده أعظم من أن يقوم بها احد،ونعمه أكثر من أن تحصي فتشكر،لذا فإن عباد الله الفطناء جبروا الكسر وسدوا الخل: إذا أصبحوا تابوا وإذا أمسوا تابوا .
*لان الله يحب التوابين ويحب الأوابين ويحب المستغفرين ويحب المتطهرين ويحب المخبتين.
*لأن إبليس تعلم باستمرار إغواءه لك مادمت حيا، وبحتمية إضلالك مادامت أنفاسك تصعد وتهبط فرد الله عليك بأن فتح لك باب التوبة مادمت مستغفرا. وإلي رحابه راجعا وعلي ذنبك باكيا.
*تتوب حتى يفرح الرب ن وتسعد الملائكة، وتغيظ الشيطان ،وتفرح الإخوان ،وتخزي الأعداء ،وتبيض صفحتك ،وترفع درجتك، وتوسع قرك ، وتعلي قدرك.
*تتوب حتى تجلب الخير،وتزيل الهم ، وتوسع الرزق،وتيسر الصعب ، وتحل البركات ن وتذل العقبات ، وتهب النفس الطمأنينة، والروح السكينة، والقلب الحياة.
*لان ربك يقول (ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) فصار الناس احد الفريقين لا ثالث لهما، تائب أو ظالم فمن أي الفريقين أنت؟!.
شروط التوبة
1-ترك
ترك الذنب هو أولي شرائط التوبة المقبولة، وما معني توبة من يستغفر الله من شرب الخمر والكأس مستقرة بين يديه.أو يعزم قلبه علي ترك الكذب ولسانه لا شغل له سوي افتراء الكذب. أو من يبارز الملك المعصية ثم يطلب منه الأمان!!.
إنها توبة..لكن توبة الكذابين وسلوك غير أولي المؤمنين، المستهزئين أحكام رب العالمين
أستغفر الله من استغفر الله من لفظة بدرت خالفت معناها
وكيف أرجوا إجابات الداعي وقد سددت بالذنوب عند الله مجراها
أما المؤمن فيقلع عن الذنب بتوبة، ويرجع إلي الله بدمعة، وتتجافي نفسه عن فراش المعصية، ويأنف قلبه من حياة الغفلة.
تنبيه
• ولكن هل معني ذالك أن التائب يقلع عن ذنبه فلا يعود إليه أبدا.
• كلا ففي الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم(ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لايفاقه حتى يفارق الدنيا ، إن المؤمن خلق مفتنا توابا نسيا ، إذا ذكر تذكر).
• أخي التائب.. إقرأ هذا الحديث مرة ثانية.
• تأمل وصفه لهذا العبد..بالمؤمن..نعم..المؤمن فكما أن لكل جواد كبوة، فلكل مؤمن زلة.كل مؤمن له نقطة ضعف يتسلل منها الشيطان وإليه ينفذ، لكنها جولة وليست معركة، وضربة وليت القاضية و فإذا جاءته الموعظة الصادقة والكلمة الهادية والنصيحة الراشدة يتذكر فيقلع، ويتذكر فيرجع وكان ذنبا لم يقع، وخطيئة لم ترتكب.
• صمام أمان
• تذكر: فلا يجاهر بالمعصية ولا تبجح بالخطيئة، ولا يرد النصيحة، ولا يرتكب الذنب ضاحكا حتى لا يدخل النار باكيا.
• تذكر:ففارق المعصية، وأهل المعصية، ومكان المعصية وكل ما يذكر بالمعصية.
• تذكر:فأدرك انه لحظة وقوعه في الذنب فهان في نظر الله وسقط من عينيه، فأوقعه في الذنب، ولو عز عنده وعلا لوقاه ونجاه أنقذه وهداه.
• هل علمت الآن معني قوله تعالي (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فغدا هم مبصرون )فور وقوع الذنب منهم ، وبدور التقصير عنهم.
• تذكروا قبل أن يرفع إبليس راية انصر فوق رؤوسهçم ..فأخزوه قبل أن ينتفش، وأهانوه قبل أن يفتخر، وأردوه من شاهق إلي واد سحيق..كل ذالك كان بأنهم...تابوا.
• عند مهلة ست ساعات
قال رسول اله صلي الله عليه وسلم(إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها وإلا كتبت واحدة)
ما هذا الكرم
نادي الله عز وجل الذين قالوا :إن اله ثالث ثلاثة ، وقالوا: إن اله هو المسيح ابن مريم ، فقال (أفلا يتوبون إلي اله وستغفرونه)
لطيفة
قال ميمون بن مهران:الذكر ذكران:ذكر الله اللسان، وأفضل من ذالك، أن تذكره عند المعصية إذا أشرفت عليها.
تناسب طردي
يتناسب الإيمان طرديا مع دوام تذكر الذنب فكلما قوي الإيمان كان الذنب حاضرا في الأذهان، مستقرا في الوجدان ، وغدا عف نسي العبد ذنبه قبل مغادرة موقع الجريمة، وأضاف إلي الذنب وإلي الخطيئة خطيئة دون معاتبة نفس أو حتى تأنيب ضمير .
*محمد بن سيرين يذكر ذنبه بفضل إيمانه..أرعين سنة، قال رحمه الله: أصابني دين، فقلت:أصابني بذنب أذنبته منذ أربعين سنة.قلت لرجل ك يامفلس.
*ومكحول ..يذكر ذنبه سنة فيقول : رأيت رجلا ساجدا وهو يبكي فقلت : يرائي فحرمت البكاء من خشية الله سنة.
*والفضيل ..يذكر ذنبه خمسة أشهر فيقول: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته.
وعليك أن تحدد منسوب الإيمان في قلبك في ضوء هذه العلاقة، وتسأل نفسك: كم من الأيام، بل كم من الساعات تظل متذكرا ذنبك نادما علي فعله..
عطايا في بلايا
قال النبي صلي الله عليه وسلم (إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه).يحرمك رزقك لتفتقر إليه وتذل بين يديه، فيورثك بهذا الفقر غناه، ويعطيك بهذا الذل عزة، فما أكرم الله، وما أحلم الله، وما ألطف الله حين سلبنا ليوقظنا، وحرمنا ليعطينا..فمنعه ..صرخة تنبيه توقظ النائمين وتنبه الغافلين، والمؤمن يعلم هذا جيدا فيوقن أنه ما وقع بلاء بذنب، ولا صيد طير أو قطعت شجرة إلا بترك تسبيح، ولا نسيت سورة إلا بخطيئة (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير ).
احذر مقدمات الذنب
كل ما أدى إلي حرام فهو حرام، ومن تمام إقلاعك عن الذنب إقلاعك عن مقدماته.
*إذا كنت تعلم من نفسك عدم صبرها عن النظر إلي الحرام، ثم دعيت إلي مكان تعرض فيه الفاحشة نفسها، وتبرز فيه المفاتن والعورات، فإن ذهابك إلي هذا المكان حرام.
*إذا علمت أن راحة جسمك في أن تنام 6ساعات مثلا ،ثم سهرت سهرا أدي بك إلي عدم إعطاء جسدك راحته،فضاعت منك صلاة الفجر من جراء ذالك ، فإن هذا السهر حرام .
إذا رافقت صحبة سيئة إذا ذكرت الله ألهوك، وإذا نسيت أضلوك، وإذا خمدت في قلبك شهوة أحيوها، أو استيقظ فيك ندم قتلوه، بحيث يكون سيرك معهم مقدمة الحرام، فإن مصاحبة هذه الرفقة حرام.
هذه وصية الزاهد العابد إبراهيم بن الأدهم حين قال لمن أراد التوبة:
(من أراد التوبة فليخرج من المظالم، وليدع مخالطة من كان يخالطه وإلا..لم ينل مايريد).
لطيفة
قالت زبدة أخت بشر بن الحارث : (أثقل شيء علي العبد الذنوب ، واخف شيء عليه التوبة،فماله لا يدفع أثقل شيء بأخف شيء).
2-الندم
ولادة الندم
* تندم.. لأنه قد هالك ما كان منك من انخلاعك عن الاعتصام باله وقت وقوعك في الذنب، وفرحك عند الظفر به ، وقعوك عن تداركه وإصرارك عليه مع يقينك بنظر الله غليك واطلاعه عليك.
* تندم لأنك بعت رفقة الملائكة برفقة الشياطين، ومجاورة النبيين في الجنة بمجاورة الشياطين في النار، ورحمة الله ورضوانه بسخط الله وعصيانه.
* تندم لأنك بهذا الذنب بددت رأس مالك الذي هو وقتك ، وباليتك أنفقته فيما لا يفيد فحسب، وإنما بذلته فيما فيه ضررك وأخذك وهلاكك (فكلا أخذنا بذنبه )
* تندم...لان الله بشؤم هذا الذنب قد يقبضك عليه، فيختم لك بخاتمة السوء، ومن مات علي شيء بعث عليه.
* تندم..لأنك لا تضمن قبول توبتك و إن تبت، و لا تأخذ صكا من الله بالمغفرة إن استغفرت، و لهذا قال الحسن البصري: ترك الذنب أهون عليك من معالجة التوبة، و ما يؤمنك أن تكون أصبت كبيرة أغلق دونها باب التوبة، فأنت في غير معمل؟!
و للندم علامة
* إذا ندم ظل العبد ندمه ينمو في قلبه إلى أن يغسل ذنبه بدمعه، فتسقط الدموع من خشية الله لترتفع بالتائب إلى أعلى عليين، و اسمع هذه البشارة النبوية: " عينان لا تمسهما النار أبدا.. عين بكت من خشية الله".
* بل إن ابن عمر يزف إليك البشرى في صحيح قوله:" لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار.
* لذا يبكي النادم مستبشرا ببشارة النبي عليه الصلاة والسلام مستأنسا بما كان يفعله محمد بن المنكدر مقتديا به، حيث كان إذا بكى من خشية الله مسح وجهه و لحيته بدموعه وهو يقول:
بلغني أن النار لا تأكل موضعا مسته الدموع.
* و من لم يستطع عصر عينيه لتبكي فليتكلف البكاء إلى أن يرزقه الله هذه الدمعة المنجية.
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
من استطاع أن يبكي فليبكي و من لم يستطع فليتباك.
هدنة مع الذنوب
أخي التائب...لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على ضياع ما مضى منه من طاعة لكان خليقا أن يحزنه ذلك حتى الممات، فكيف بمن يستقبل ما بقي من عمره بمثل ما مضى من عصيانه، هب أن المسيء قد غفر له أليس قد فاته ثواب المحسنين؟!
أخي التائب... اهتف في جوف الليل ... ناد في الأسحار... ارفع صوتك بالنداء:
يا رب إن ذنوبي اليوم قد كثرت فما أطيق لها حصرا و لا عددا
و ليس لي بعذاب النار من قبل و لا أطيق لها صبرا و لا جلدا
فانظر الهي إلى ضعفي و مسكنتي و لا تذقني حرا للجحيم غدا
لطيفة
قال بكر بن عبد الله المزني:" الرجل يخرج إلى الصلاة فتفوته في الجماعة، فإذا حزن لذلك أعطاه الله فضل الجماعة".
3- العزم:
اعزم على أن لا ترجع إلى الذنب و لا تعود، و كن رجلا في ذلك فإذا وعدت فأوف، و إذا نويت فاصدق، و إذا عزمت فتوكل على الله.
عزائم الرجال
مر مالك بن دينار، يوما في السوق، فرأى بائع تين، فتاقت نفسه إلى التين، و لم يكن يملك ثمنه، فطلب إلى البائع أن يؤخره فرفض، فعرض مالك على البائع أن يرهن عنده حذاءه مقابل هذا التين فرفض ثانية، فانصرف مالك و اقبل الناس على البائع و اخبروه عن هوية المشتري، فبعث بغلامه إلى مالك بعربة التين كلها و قال لغلامه : إن قبلها منك فأنت حر لوجه الله.
وذهب الغلام إلى مالك واضعا في باله أن يبذل قصارى جهده لينال حريته، فإذا بمالك يقول له: اذهب إلى سيدك و قل له : إن مالك بن دينار لا يأكل التين بالدين، و إن مالك بن دينار حرم على نفسه أكل التين إلى يوم الدين.
قال الغلام: يا سيدي خذها، فإن فيها عتقي.
قال مالك: إن فيها عتقك فإن فيها رقي.
رأى مالك أن شهوته أذلته و أن بطنه أهانته، فأدب نفسه و حرم عليها أكل التين زجرا لها و تهذيبا.
فكيف لا يعزم هذه العزمة من استزله شيطانه و أخضعته شهوته فسقط في بئر الخطيئة؟! كيف هان عليه أن يرى نفسه ذليلة مهينة دون أن يمد لها يد المساعدة و ينتشلها من مستنقع الهوان؟!
عزم يفل الحديد
وعى سلمة بن دينار الدرس فلما مر بالجزارين قالوا له: هذا لحم سمين فاشتر قال: ليس عندي ثمنه، قالوا : نؤخرك، قال : أنا أؤخر نفسي.
ووعاه أيضا إبراهيم بن ادهم حين شكى إليه الناس و قالوا: إن اللحم غلا، فقال: أرخصوه ( أي لا تشتروه).
يــا أخــي.. اسمع هذا القول الناطق بالحكمة الذي نطق به ابن سمعون حين قال:
" رأيت المعاصي نذالة، فتركتها مروة، فاستحالت ديانة".
بل ابشر انك بمجرد هذا العزم تنهمر عليك البركات و يفيض عليك الخير ألم تسمع أبا حزم سلمة بن دينار و هو يقول في كلام تستضيئ به القلوب:
عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر ، و إذا عزم العبد على ترك الآثام أتته الفتوح.
عجبا لعبد خائر العزم... ضعيف الهمة.. ليس له قوة إلا على الذنب، و ليس له عزم إلا على الخطيئة.
ألا من لقلب في الهوى غير منته و في الغي مطواع و في الرشد مكره
أساوره عـــن توبة فيقول لا فان قلت هذي فتنة قال أين هي
لطيفة
كان الفضيل بن عياض يقول للمجاهدين وهو يودعهم للقتال في سبيل الله:
عليكم بالتوبة، فإنها ما لا ترده السيوف.
اختبر توبتك
الاستغفار شيء و التوبة شيء آخر...
الاستغفار كلام، و التوبة فعال. الاستغفار يتقنه المؤمن والمنافق، أما التوبة فلا يجيدها إلا المؤمن. الاستغفار إعلان الرجوع إلى الله، أما التوبة فإصلاح ما بينك و بينه.
لذلك قال سبحانه و تعالى:" استغفروا ربكم ثم توبوا إليه". فكل تائب لا يتبع سيئته بحسنة و معصيته بطاعة، فتوبته مجروحة مشكوك فيها، و لذلك لا تجد واحدا من الصالحين إلا وقد سلك هذا الطريق.
عمر بن الخطاب شغله بستانه عن الصلاة فتصدق به.
و كان ابنه عبد الله بن عمر على نفس الطريق ..كان إذا فاتته صلاة جماعة صلى إلى الصلاة التي تليها تطوعا و تنفلا.
و هذه أخت عمر بن عبد العزيز أم البنين تدخل عليها عزة فتسألها عن قول كثير فيها،
قضى كل دين قد علمت غريمه و عزة ممطول معنى غريمها
ما كان هذا الدين يا عزة؟! قالت : كنت قد وعدته قبلة، فتحرجت منها، فقالت أم البنين: أنجزيها له و إثمها علي، فأعتقت لكلمتها هذه أربعين رقبة!!
فأهم علا مات التوبة المقبولة أن يكون حالك بعد التوبة أفضل منك قبلها، و ذلك يفرض عليك أن تقتدي بعمر و ابن عمر و أم البنين، فتنشغل بإزالة آثار العدوان و بناء ما انهدم من الإيمان مستبشرا بقول الله عز وجل:" إن الحسنات يذهبن السيئات".
مستأنسا ببشارة النبي عليه الصلاة والسلام:
" و اتبع السيئة الحسنة تمحها".
تبدو نواجذك من شدة فرحك بقول واعظ الشام احمد بن عاصم الأنطاكي:
أصلح فيما بقي يغفر لك فيما مضى.
التوبة النصوح؟!
ما هــي؟!
• قال عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" أن يتوب من الذنب ثم لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع".
• و قال الحسن البصري: هي أن يكون العبد نادما على ما مضى، مجمعا على أن لا يعود فيه.
• و قال الكلبي: يستغفر باللسان و يندم بالقلب و يمسك بالبدن.
• و قال سعيد بن المسيب: يجمعها أربعة أشياء : الاستغفار باللسان و الإقلاع بالأبدان و إضمار ترك العود بالجنان و مهاجرة سيئ الإخوان.
احذر بعد توبتك أن ...
قال يحي بن معاذ:
زلة واحدة بعد التوبة أقبح من سبعين بعدها.
إغلاق باب التوبة
لا يغلق باب التوبة إلا عند:
1. طلوع الشمس من المغرب:
لقول النبي عليه الصلاة والسلام: " إن للتوبة باب عرض ما بين مصراعيه ما بين المشرق و المغرب لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها" وهذا عند قيام الساعة و ظهور علاماتها.. يوم " لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا".
2. الغرغرة و معاينة الملائكة:
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:" إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" لأنه في هذه الساعة تنكشف له الحجب فيرى الملائكة حاضرة لتقبض روحه، و عندها فقط يصدق ويؤمنوا هذا إيمان لا قيمة له و توبة لا طائل من ورائها.
و هذا هو قول بن عمر: التوبة مبسوطة ما لم ينزل سلطان الموت، و قول تابعي البصرة أبو مجلز لاحق بن حميد السنوسي: لا يزال العبد في توبة ما لم يعاين الملائكة.
المعين في إغاثة التائبين
1- قصر الأمل:
اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا هكذا أوصاك رسول الله عليه الصلاة والسلام.
أخي.. يا من آخر توبته و استحلى نومته.. كيف بك يا هذا إذا نزل بك الموت و أنت غير تائب؟ أعقدت مع ملك الموت عقدا يضمن عدم مجيئه فجأة؟ اطلعت على الغيب فعلمت موعد موتك أم اتخذت عند الرحمن عهدا أن لا يقبض روحك حتى تتوب؟؟
أخي التائب.. حذار من التسويف فإنها بضاعة المفلسين و رأس مال المبطلين الذين قال الله عز وجل فيهم:" الشيطان سول لهم وأملى لهم".
قال الحسن في تفسيرها: زين لهم الخطايا و مد لهم في الأمل.
و قال الله عز و جل فيهم: " بل يريع الإنسان ليفجر أمامه".
قال ابن عباس في تفسيرها: يقدم الذنب و يؤخر التوبة.
و قال الله عز وجل فيهم:" و يقذفون بالغيب من مكان بعيد".
قال عكرمة في تفسيرها: إذا قيل لهم توبوا قالوا: سوف.
و المسوف مثله كمثل رجل أراد اقتلاع شجرة و في الموعد المحدد قال: أؤخرها يوما ثم جاء اليوم التالي فقال أؤخرها يوما آخر و لا يدري المسكين انه كلما تأخر كلما ازداد رسوخ الشجرة و صعب اقتلاعها.
زينت بيتك يا هذا و ملأته و لعل غيرك صاحب البيت
و المرء مرتهن بسوف و ليتني و هلاكه في السوف و الليت
2- مجالسة التوابين:
و هي وصية الفاروق رضي الله عنه حين أمرنا :
جالسوا التوابين فإنهم ارق أفئدة.
يا سادة.. يا كرام..
الفقراء يلتمسون موائد الأغنياء طمعا في صدقة أو بر أو زكاة أو إحسان فان فاتهم كل هذا لم يعدموا وجبة العشاء.
أفلا يلتمس من افتقروا إلى الحسنات موائد أغنياء الطاعات و أرباب القربات و عشاق السجدات رجاء حضور قلب أو إجابة دعوة أو نزول رحمة أو محاسبة ملك.
إخواني...تعرضوا للصالحين حتى يملوكم و لازموهم حتى تضجروهم فيتخلص احدهم منكم بدعوة فتكون الإجابة والهناء كما حدث مع علي بن عبد الرحيم الغضائري الذي قال : دققت على السري بن مغلس بابه وكان يذكر الله فسمعته يقول اللهم من شغلني عنك فاشغله بك عني فكان من بركة دعائه أني حججت من حلب ماشيا على قدمي أربعين عاما!!
لطيفة
قال ابن عطاء الله السكندري:ربما كنت مسيئا فأراك الإحسان منك صحبتك من هو أسوا حالا منك.
3- مشاهدة النعم و رؤية التقصير:
ما أكثر نعم الله على عباده وما اجلها و ما اشد تقصيرنا في شكرها و مع ذلك لم يحرمنا وما أكثر ما عصينا المنعم ومع هذا لم يمنعنا وما أكثر المرات التي استوجبنا فيها غضبه لكنه لم يطردنا و التفكر في هذا المعنى اكبر معين على الحياء من الرب عز وجل و من ثم .. التوبة و يظهر هذا المعنى ( انهمار النعم و مشاهدة التقصير) واضحا جليا في حديث سيد الاستغفار الذي يكافئ الله عبده أن هو قاله حين يصبح ثم مات من يومه بان يدخله الجنة و إذا قاله حين يمسي فمات من ليلته بان يدخله الجنة.
سيد الاستغفار
اللهم أنت ربي لا اله أنت خلقتني و أنا عبد و أنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت ابوء لك بنعمتك علي وابوء بذنوبي فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
4- معرفة سعة عفو الله"
أخي التائب.. اعرف مع من تتعامل أنت تتعامل مع الذي عرض التوبة على الكفار و فتح طريق الرجعة أمام الفجار و أمهل بكرمه الأشرار تتعامل مع من رحمته سبقت غضبه و عفوه سبق عقابه مع من لو عفا عن الخلق – كل الخلق- ما نقص ذلك من ملكه شيئا مع من قال عن نفسه:" ما يفعل الله بعذابكم أن شكرتم و آمنتم ".
اسمه... التواب و لو لم تذنب لما عرف بهذا الوصف في الكتاب وهل من توبة من غير ذنب؟ بل أعظم الذنوب عنده: استقلال عفوه و استبعاد رحمته.
أجمل الأقوال قول العبد: يا رب أذنبت... يا رب اخطات... يا رب اسات... ليأتي الرد سريعا من التواب الرحيم: يا عبد غفرت...يا عبد سامحت... يا عبد صفحت.
إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار
و أنت يا سيدي أولى بذا كرما قد شبت في الرق فاعتقني من النار
و ماذا بعد الكلام
* جدد توبتك كل ليلة قبل أن تنام و حقق شروطها فلعلها تكون آخر نومة تنامها لتستيقظ بعدها على يوم القيامة.
* اعد الحقوق المغتصبة إلى أصحابها فهذا من تمام التوبة.
* من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق فرجا و من كل هم مخرجا و رزقه من حيث لا يحتسب.
* استغفر الله في اليوم مائة مرة و ابسط صيغ الاستغفار ( استغفر الله العظيم).
* اتبع السيئة الحسنة تمحها، امح العمل بالعمل و امسح السوء بالحسن و اعلم أن من علامات التوبة المقبولة أن تكون بعد التوبة أفضل منك قبلها
* من علامات التائب الصادق: رقة القلب و غزارة الدمع و طلب النصيحة من الغير و الإقبال على مجالس الذكر و استقلال نعم الدنيا و التفكر في أمر الآخرة.
* فارق رفقة السوء و إن فاتك مصاحبة حامل المسك فلا تطلبن جوار رفيق السوء فانه نافخ كير يحرق ثيابك وتجد منه ريحا خبيثة و تذكر:
المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
* لا تنس سيد الاستغفار حين تصبح وحين تمسي.
* احرص على تنمية إرادتك و بناء روحك و ذلك بمخالفة عاداتك نم وأنت مستيقظ و استيقظ وأنت من أعماق النوم ( صلاة الفجر) و كل و أنت شبعان وصم وأنت جائع( صيام التطوع).
و خالف النفس و الشيطان واعصهما و إن هما محضاك النصح فاتهم
و لا تطع منهما خصما و لا حكما فأنت تعلم كيد الخصم و الحكم............
يتبع...............
عندما يفرح الرب
ما أغلى توبتك عند ربك.فهي مفتاح رضاه عنك وعنوان محبته لك وسر قربك منه وأقصر طرقك إليه..
أشرف وسام وأغلي مقام وغاية مرام..
لماذا تتوب
*لأن الله أمرك وأمر كل مؤمن معك (وتوبوا إلي الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون )فإذا كان المؤمن التائب يرجوا الفلاح ولا يستيقنه فماذا يصنع العاصي المصر علي الذنوب ؟
*لان ميزانك سينصب أمام عينيك يوم القيامة،فتوضع حسناتك في كفة وسيئاتك في كفة،ولا سبيل إلي ترجيح كفة الحسنات إلا بالتوبة النصوح التي تمحوا السيئات ،فترجح الكفة الأخرى ويكون الفوز المبين.
*لان التائب حبيب الرحمن، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والعاصي إذ اذكر ذنبه فوجل منه قلبه محي عنه في أم الكتاب، وأنساه الله الحفظة.
*لأن حقوق الله علي عباده أعظم من أن يقوم بها احد،ونعمه أكثر من أن تحصي فتشكر،لذا فإن عباد الله الفطناء جبروا الكسر وسدوا الخل: إذا أصبحوا تابوا وإذا أمسوا تابوا .
*لان الله يحب التوابين ويحب الأوابين ويحب المستغفرين ويحب المتطهرين ويحب المخبتين.
*لأن إبليس تعلم باستمرار إغواءه لك مادمت حيا، وبحتمية إضلالك مادامت أنفاسك تصعد وتهبط فرد الله عليك بأن فتح لك باب التوبة مادمت مستغفرا. وإلي رحابه راجعا وعلي ذنبك باكيا.
*تتوب حتى يفرح الرب ن وتسعد الملائكة، وتغيظ الشيطان ،وتفرح الإخوان ،وتخزي الأعداء ،وتبيض صفحتك ،وترفع درجتك، وتوسع قرك ، وتعلي قدرك.
*تتوب حتى تجلب الخير،وتزيل الهم ، وتوسع الرزق،وتيسر الصعب ، وتحل البركات ن وتذل العقبات ، وتهب النفس الطمأنينة، والروح السكينة، والقلب الحياة.
*لان ربك يقول (ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) فصار الناس احد الفريقين لا ثالث لهما، تائب أو ظالم فمن أي الفريقين أنت؟!.
شروط التوبة
1-ترك
ترك الذنب هو أولي شرائط التوبة المقبولة، وما معني توبة من يستغفر الله من شرب الخمر والكأس مستقرة بين يديه.أو يعزم قلبه علي ترك الكذب ولسانه لا شغل له سوي افتراء الكذب. أو من يبارز الملك المعصية ثم يطلب منه الأمان!!.
إنها توبة..لكن توبة الكذابين وسلوك غير أولي المؤمنين، المستهزئين أحكام رب العالمين
أستغفر الله من استغفر الله من لفظة بدرت خالفت معناها
وكيف أرجوا إجابات الداعي وقد سددت بالذنوب عند الله مجراها
أما المؤمن فيقلع عن الذنب بتوبة، ويرجع إلي الله بدمعة، وتتجافي نفسه عن فراش المعصية، ويأنف قلبه من حياة الغفلة.
تنبيه
• ولكن هل معني ذالك أن التائب يقلع عن ذنبه فلا يعود إليه أبدا.
• كلا ففي الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم(ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لايفاقه حتى يفارق الدنيا ، إن المؤمن خلق مفتنا توابا نسيا ، إذا ذكر تذكر).
• أخي التائب.. إقرأ هذا الحديث مرة ثانية.
• تأمل وصفه لهذا العبد..بالمؤمن..نعم..المؤمن فكما أن لكل جواد كبوة، فلكل مؤمن زلة.كل مؤمن له نقطة ضعف يتسلل منها الشيطان وإليه ينفذ، لكنها جولة وليست معركة، وضربة وليت القاضية و فإذا جاءته الموعظة الصادقة والكلمة الهادية والنصيحة الراشدة يتذكر فيقلع، ويتذكر فيرجع وكان ذنبا لم يقع، وخطيئة لم ترتكب.
• صمام أمان
• تذكر: فلا يجاهر بالمعصية ولا تبجح بالخطيئة، ولا يرد النصيحة، ولا يرتكب الذنب ضاحكا حتى لا يدخل النار باكيا.
• تذكر:ففارق المعصية، وأهل المعصية، ومكان المعصية وكل ما يذكر بالمعصية.
• تذكر:فأدرك انه لحظة وقوعه في الذنب فهان في نظر الله وسقط من عينيه، فأوقعه في الذنب، ولو عز عنده وعلا لوقاه ونجاه أنقذه وهداه.
• هل علمت الآن معني قوله تعالي (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فغدا هم مبصرون )فور وقوع الذنب منهم ، وبدور التقصير عنهم.
• تذكروا قبل أن يرفع إبليس راية انصر فوق رؤوسهçم ..فأخزوه قبل أن ينتفش، وأهانوه قبل أن يفتخر، وأردوه من شاهق إلي واد سحيق..كل ذالك كان بأنهم...تابوا.
• عند مهلة ست ساعات
قال رسول اله صلي الله عليه وسلم(إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها وإلا كتبت واحدة)
ما هذا الكرم
نادي الله عز وجل الذين قالوا :إن اله ثالث ثلاثة ، وقالوا: إن اله هو المسيح ابن مريم ، فقال (أفلا يتوبون إلي اله وستغفرونه)
لطيفة
قال ميمون بن مهران:الذكر ذكران:ذكر الله اللسان، وأفضل من ذالك، أن تذكره عند المعصية إذا أشرفت عليها.
تناسب طردي
يتناسب الإيمان طرديا مع دوام تذكر الذنب فكلما قوي الإيمان كان الذنب حاضرا في الأذهان، مستقرا في الوجدان ، وغدا عف نسي العبد ذنبه قبل مغادرة موقع الجريمة، وأضاف إلي الذنب وإلي الخطيئة خطيئة دون معاتبة نفس أو حتى تأنيب ضمير .
*محمد بن سيرين يذكر ذنبه بفضل إيمانه..أرعين سنة، قال رحمه الله: أصابني دين، فقلت:أصابني بذنب أذنبته منذ أربعين سنة.قلت لرجل ك يامفلس.
*ومكحول ..يذكر ذنبه سنة فيقول : رأيت رجلا ساجدا وهو يبكي فقلت : يرائي فحرمت البكاء من خشية الله سنة.
*والفضيل ..يذكر ذنبه خمسة أشهر فيقول: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته.
وعليك أن تحدد منسوب الإيمان في قلبك في ضوء هذه العلاقة، وتسأل نفسك: كم من الأيام، بل كم من الساعات تظل متذكرا ذنبك نادما علي فعله..
عطايا في بلايا
قال النبي صلي الله عليه وسلم (إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه).يحرمك رزقك لتفتقر إليه وتذل بين يديه، فيورثك بهذا الفقر غناه، ويعطيك بهذا الذل عزة، فما أكرم الله، وما أحلم الله، وما ألطف الله حين سلبنا ليوقظنا، وحرمنا ليعطينا..فمنعه ..صرخة تنبيه توقظ النائمين وتنبه الغافلين، والمؤمن يعلم هذا جيدا فيوقن أنه ما وقع بلاء بذنب، ولا صيد طير أو قطعت شجرة إلا بترك تسبيح، ولا نسيت سورة إلا بخطيئة (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير ).
احذر مقدمات الذنب
كل ما أدى إلي حرام فهو حرام، ومن تمام إقلاعك عن الذنب إقلاعك عن مقدماته.
*إذا كنت تعلم من نفسك عدم صبرها عن النظر إلي الحرام، ثم دعيت إلي مكان تعرض فيه الفاحشة نفسها، وتبرز فيه المفاتن والعورات، فإن ذهابك إلي هذا المكان حرام.
*إذا علمت أن راحة جسمك في أن تنام 6ساعات مثلا ،ثم سهرت سهرا أدي بك إلي عدم إعطاء جسدك راحته،فضاعت منك صلاة الفجر من جراء ذالك ، فإن هذا السهر حرام .
إذا رافقت صحبة سيئة إذا ذكرت الله ألهوك، وإذا نسيت أضلوك، وإذا خمدت في قلبك شهوة أحيوها، أو استيقظ فيك ندم قتلوه، بحيث يكون سيرك معهم مقدمة الحرام، فإن مصاحبة هذه الرفقة حرام.
هذه وصية الزاهد العابد إبراهيم بن الأدهم حين قال لمن أراد التوبة:
(من أراد التوبة فليخرج من المظالم، وليدع مخالطة من كان يخالطه وإلا..لم ينل مايريد).
لطيفة
قالت زبدة أخت بشر بن الحارث : (أثقل شيء علي العبد الذنوب ، واخف شيء عليه التوبة،فماله لا يدفع أثقل شيء بأخف شيء).
2-الندم
ولادة الندم
* تندم.. لأنه قد هالك ما كان منك من انخلاعك عن الاعتصام باله وقت وقوعك في الذنب، وفرحك عند الظفر به ، وقعوك عن تداركه وإصرارك عليه مع يقينك بنظر الله غليك واطلاعه عليك.
* تندم لأنك بعت رفقة الملائكة برفقة الشياطين، ومجاورة النبيين في الجنة بمجاورة الشياطين في النار، ورحمة الله ورضوانه بسخط الله وعصيانه.
* تندم لأنك بهذا الذنب بددت رأس مالك الذي هو وقتك ، وباليتك أنفقته فيما لا يفيد فحسب، وإنما بذلته فيما فيه ضررك وأخذك وهلاكك (فكلا أخذنا بذنبه )
* تندم...لان الله بشؤم هذا الذنب قد يقبضك عليه، فيختم لك بخاتمة السوء، ومن مات علي شيء بعث عليه.
* تندم..لأنك لا تضمن قبول توبتك و إن تبت، و لا تأخذ صكا من الله بالمغفرة إن استغفرت، و لهذا قال الحسن البصري: ترك الذنب أهون عليك من معالجة التوبة، و ما يؤمنك أن تكون أصبت كبيرة أغلق دونها باب التوبة، فأنت في غير معمل؟!
و للندم علامة
* إذا ندم ظل العبد ندمه ينمو في قلبه إلى أن يغسل ذنبه بدمعه، فتسقط الدموع من خشية الله لترتفع بالتائب إلى أعلى عليين، و اسمع هذه البشارة النبوية: " عينان لا تمسهما النار أبدا.. عين بكت من خشية الله".
* بل إن ابن عمر يزف إليك البشرى في صحيح قوله:" لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار.
* لذا يبكي النادم مستبشرا ببشارة النبي عليه الصلاة والسلام مستأنسا بما كان يفعله محمد بن المنكدر مقتديا به، حيث كان إذا بكى من خشية الله مسح وجهه و لحيته بدموعه وهو يقول:
بلغني أن النار لا تأكل موضعا مسته الدموع.
* و من لم يستطع عصر عينيه لتبكي فليتكلف البكاء إلى أن يرزقه الله هذه الدمعة المنجية.
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
من استطاع أن يبكي فليبكي و من لم يستطع فليتباك.
هدنة مع الذنوب
أخي التائب...لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على ضياع ما مضى منه من طاعة لكان خليقا أن يحزنه ذلك حتى الممات، فكيف بمن يستقبل ما بقي من عمره بمثل ما مضى من عصيانه، هب أن المسيء قد غفر له أليس قد فاته ثواب المحسنين؟!
أخي التائب... اهتف في جوف الليل ... ناد في الأسحار... ارفع صوتك بالنداء:
يا رب إن ذنوبي اليوم قد كثرت فما أطيق لها حصرا و لا عددا
و ليس لي بعذاب النار من قبل و لا أطيق لها صبرا و لا جلدا
فانظر الهي إلى ضعفي و مسكنتي و لا تذقني حرا للجحيم غدا
لطيفة
قال بكر بن عبد الله المزني:" الرجل يخرج إلى الصلاة فتفوته في الجماعة، فإذا حزن لذلك أعطاه الله فضل الجماعة".
3- العزم:
اعزم على أن لا ترجع إلى الذنب و لا تعود، و كن رجلا في ذلك فإذا وعدت فأوف، و إذا نويت فاصدق، و إذا عزمت فتوكل على الله.
عزائم الرجال
مر مالك بن دينار، يوما في السوق، فرأى بائع تين، فتاقت نفسه إلى التين، و لم يكن يملك ثمنه، فطلب إلى البائع أن يؤخره فرفض، فعرض مالك على البائع أن يرهن عنده حذاءه مقابل هذا التين فرفض ثانية، فانصرف مالك و اقبل الناس على البائع و اخبروه عن هوية المشتري، فبعث بغلامه إلى مالك بعربة التين كلها و قال لغلامه : إن قبلها منك فأنت حر لوجه الله.
وذهب الغلام إلى مالك واضعا في باله أن يبذل قصارى جهده لينال حريته، فإذا بمالك يقول له: اذهب إلى سيدك و قل له : إن مالك بن دينار لا يأكل التين بالدين، و إن مالك بن دينار حرم على نفسه أكل التين إلى يوم الدين.
قال الغلام: يا سيدي خذها، فإن فيها عتقي.
قال مالك: إن فيها عتقك فإن فيها رقي.
رأى مالك أن شهوته أذلته و أن بطنه أهانته، فأدب نفسه و حرم عليها أكل التين زجرا لها و تهذيبا.
فكيف لا يعزم هذه العزمة من استزله شيطانه و أخضعته شهوته فسقط في بئر الخطيئة؟! كيف هان عليه أن يرى نفسه ذليلة مهينة دون أن يمد لها يد المساعدة و ينتشلها من مستنقع الهوان؟!
عزم يفل الحديد
وعى سلمة بن دينار الدرس فلما مر بالجزارين قالوا له: هذا لحم سمين فاشتر قال: ليس عندي ثمنه، قالوا : نؤخرك، قال : أنا أؤخر نفسي.
ووعاه أيضا إبراهيم بن ادهم حين شكى إليه الناس و قالوا: إن اللحم غلا، فقال: أرخصوه ( أي لا تشتروه).
يــا أخــي.. اسمع هذا القول الناطق بالحكمة الذي نطق به ابن سمعون حين قال:
" رأيت المعاصي نذالة، فتركتها مروة، فاستحالت ديانة".
بل ابشر انك بمجرد هذا العزم تنهمر عليك البركات و يفيض عليك الخير ألم تسمع أبا حزم سلمة بن دينار و هو يقول في كلام تستضيئ به القلوب:
عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر ، و إذا عزم العبد على ترك الآثام أتته الفتوح.
عجبا لعبد خائر العزم... ضعيف الهمة.. ليس له قوة إلا على الذنب، و ليس له عزم إلا على الخطيئة.
ألا من لقلب في الهوى غير منته و في الغي مطواع و في الرشد مكره
أساوره عـــن توبة فيقول لا فان قلت هذي فتنة قال أين هي
لطيفة
كان الفضيل بن عياض يقول للمجاهدين وهو يودعهم للقتال في سبيل الله:
عليكم بالتوبة، فإنها ما لا ترده السيوف.
اختبر توبتك
الاستغفار شيء و التوبة شيء آخر...
الاستغفار كلام، و التوبة فعال. الاستغفار يتقنه المؤمن والمنافق، أما التوبة فلا يجيدها إلا المؤمن. الاستغفار إعلان الرجوع إلى الله، أما التوبة فإصلاح ما بينك و بينه.
لذلك قال سبحانه و تعالى:" استغفروا ربكم ثم توبوا إليه". فكل تائب لا يتبع سيئته بحسنة و معصيته بطاعة، فتوبته مجروحة مشكوك فيها، و لذلك لا تجد واحدا من الصالحين إلا وقد سلك هذا الطريق.
عمر بن الخطاب شغله بستانه عن الصلاة فتصدق به.
و كان ابنه عبد الله بن عمر على نفس الطريق ..كان إذا فاتته صلاة جماعة صلى إلى الصلاة التي تليها تطوعا و تنفلا.
و هذه أخت عمر بن عبد العزيز أم البنين تدخل عليها عزة فتسألها عن قول كثير فيها،
قضى كل دين قد علمت غريمه و عزة ممطول معنى غريمها
ما كان هذا الدين يا عزة؟! قالت : كنت قد وعدته قبلة، فتحرجت منها، فقالت أم البنين: أنجزيها له و إثمها علي، فأعتقت لكلمتها هذه أربعين رقبة!!
فأهم علا مات التوبة المقبولة أن يكون حالك بعد التوبة أفضل منك قبلها، و ذلك يفرض عليك أن تقتدي بعمر و ابن عمر و أم البنين، فتنشغل بإزالة آثار العدوان و بناء ما انهدم من الإيمان مستبشرا بقول الله عز وجل:" إن الحسنات يذهبن السيئات".
مستأنسا ببشارة النبي عليه الصلاة والسلام:
" و اتبع السيئة الحسنة تمحها".
تبدو نواجذك من شدة فرحك بقول واعظ الشام احمد بن عاصم الأنطاكي:
أصلح فيما بقي يغفر لك فيما مضى.
التوبة النصوح؟!
ما هــي؟!
• قال عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" أن يتوب من الذنب ثم لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع".
• و قال الحسن البصري: هي أن يكون العبد نادما على ما مضى، مجمعا على أن لا يعود فيه.
• و قال الكلبي: يستغفر باللسان و يندم بالقلب و يمسك بالبدن.
• و قال سعيد بن المسيب: يجمعها أربعة أشياء : الاستغفار باللسان و الإقلاع بالأبدان و إضمار ترك العود بالجنان و مهاجرة سيئ الإخوان.
احذر بعد توبتك أن ...
قال يحي بن معاذ:
زلة واحدة بعد التوبة أقبح من سبعين بعدها.
إغلاق باب التوبة
لا يغلق باب التوبة إلا عند:
1. طلوع الشمس من المغرب:
لقول النبي عليه الصلاة والسلام: " إن للتوبة باب عرض ما بين مصراعيه ما بين المشرق و المغرب لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها" وهذا عند قيام الساعة و ظهور علاماتها.. يوم " لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا".
2. الغرغرة و معاينة الملائكة:
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:" إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" لأنه في هذه الساعة تنكشف له الحجب فيرى الملائكة حاضرة لتقبض روحه، و عندها فقط يصدق ويؤمنوا هذا إيمان لا قيمة له و توبة لا طائل من ورائها.
و هذا هو قول بن عمر: التوبة مبسوطة ما لم ينزل سلطان الموت، و قول تابعي البصرة أبو مجلز لاحق بن حميد السنوسي: لا يزال العبد في توبة ما لم يعاين الملائكة.
المعين في إغاثة التائبين
1- قصر الأمل:
اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا هكذا أوصاك رسول الله عليه الصلاة والسلام.
أخي.. يا من آخر توبته و استحلى نومته.. كيف بك يا هذا إذا نزل بك الموت و أنت غير تائب؟ أعقدت مع ملك الموت عقدا يضمن عدم مجيئه فجأة؟ اطلعت على الغيب فعلمت موعد موتك أم اتخذت عند الرحمن عهدا أن لا يقبض روحك حتى تتوب؟؟
أخي التائب.. حذار من التسويف فإنها بضاعة المفلسين و رأس مال المبطلين الذين قال الله عز وجل فيهم:" الشيطان سول لهم وأملى لهم".
قال الحسن في تفسيرها: زين لهم الخطايا و مد لهم في الأمل.
و قال الله عز و جل فيهم: " بل يريع الإنسان ليفجر أمامه".
قال ابن عباس في تفسيرها: يقدم الذنب و يؤخر التوبة.
و قال الله عز وجل فيهم:" و يقذفون بالغيب من مكان بعيد".
قال عكرمة في تفسيرها: إذا قيل لهم توبوا قالوا: سوف.
و المسوف مثله كمثل رجل أراد اقتلاع شجرة و في الموعد المحدد قال: أؤخرها يوما ثم جاء اليوم التالي فقال أؤخرها يوما آخر و لا يدري المسكين انه كلما تأخر كلما ازداد رسوخ الشجرة و صعب اقتلاعها.
زينت بيتك يا هذا و ملأته و لعل غيرك صاحب البيت
و المرء مرتهن بسوف و ليتني و هلاكه في السوف و الليت
2- مجالسة التوابين:
و هي وصية الفاروق رضي الله عنه حين أمرنا :
جالسوا التوابين فإنهم ارق أفئدة.
يا سادة.. يا كرام..
الفقراء يلتمسون موائد الأغنياء طمعا في صدقة أو بر أو زكاة أو إحسان فان فاتهم كل هذا لم يعدموا وجبة العشاء.
أفلا يلتمس من افتقروا إلى الحسنات موائد أغنياء الطاعات و أرباب القربات و عشاق السجدات رجاء حضور قلب أو إجابة دعوة أو نزول رحمة أو محاسبة ملك.
إخواني...تعرضوا للصالحين حتى يملوكم و لازموهم حتى تضجروهم فيتخلص احدهم منكم بدعوة فتكون الإجابة والهناء كما حدث مع علي بن عبد الرحيم الغضائري الذي قال : دققت على السري بن مغلس بابه وكان يذكر الله فسمعته يقول اللهم من شغلني عنك فاشغله بك عني فكان من بركة دعائه أني حججت من حلب ماشيا على قدمي أربعين عاما!!
لطيفة
قال ابن عطاء الله السكندري:ربما كنت مسيئا فأراك الإحسان منك صحبتك من هو أسوا حالا منك.
3- مشاهدة النعم و رؤية التقصير:
ما أكثر نعم الله على عباده وما اجلها و ما اشد تقصيرنا في شكرها و مع ذلك لم يحرمنا وما أكثر ما عصينا المنعم ومع هذا لم يمنعنا وما أكثر المرات التي استوجبنا فيها غضبه لكنه لم يطردنا و التفكر في هذا المعنى اكبر معين على الحياء من الرب عز وجل و من ثم .. التوبة و يظهر هذا المعنى ( انهمار النعم و مشاهدة التقصير) واضحا جليا في حديث سيد الاستغفار الذي يكافئ الله عبده أن هو قاله حين يصبح ثم مات من يومه بان يدخله الجنة و إذا قاله حين يمسي فمات من ليلته بان يدخله الجنة.
سيد الاستغفار
اللهم أنت ربي لا اله أنت خلقتني و أنا عبد و أنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت ابوء لك بنعمتك علي وابوء بذنوبي فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
4- معرفة سعة عفو الله"
أخي التائب.. اعرف مع من تتعامل أنت تتعامل مع الذي عرض التوبة على الكفار و فتح طريق الرجعة أمام الفجار و أمهل بكرمه الأشرار تتعامل مع من رحمته سبقت غضبه و عفوه سبق عقابه مع من لو عفا عن الخلق – كل الخلق- ما نقص ذلك من ملكه شيئا مع من قال عن نفسه:" ما يفعل الله بعذابكم أن شكرتم و آمنتم ".
اسمه... التواب و لو لم تذنب لما عرف بهذا الوصف في الكتاب وهل من توبة من غير ذنب؟ بل أعظم الذنوب عنده: استقلال عفوه و استبعاد رحمته.
أجمل الأقوال قول العبد: يا رب أذنبت... يا رب اخطات... يا رب اسات... ليأتي الرد سريعا من التواب الرحيم: يا عبد غفرت...يا عبد سامحت... يا عبد صفحت.
إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار
و أنت يا سيدي أولى بذا كرما قد شبت في الرق فاعتقني من النار
و ماذا بعد الكلام
* جدد توبتك كل ليلة قبل أن تنام و حقق شروطها فلعلها تكون آخر نومة تنامها لتستيقظ بعدها على يوم القيامة.
* اعد الحقوق المغتصبة إلى أصحابها فهذا من تمام التوبة.
* من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق فرجا و من كل هم مخرجا و رزقه من حيث لا يحتسب.
* استغفر الله في اليوم مائة مرة و ابسط صيغ الاستغفار ( استغفر الله العظيم).
* اتبع السيئة الحسنة تمحها، امح العمل بالعمل و امسح السوء بالحسن و اعلم أن من علامات التوبة المقبولة أن تكون بعد التوبة أفضل منك قبلها
* من علامات التائب الصادق: رقة القلب و غزارة الدمع و طلب النصيحة من الغير و الإقبال على مجالس الذكر و استقلال نعم الدنيا و التفكر في أمر الآخرة.
* فارق رفقة السوء و إن فاتك مصاحبة حامل المسك فلا تطلبن جوار رفيق السوء فانه نافخ كير يحرق ثيابك وتجد منه ريحا خبيثة و تذكر:
المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
* لا تنس سيد الاستغفار حين تصبح وحين تمسي.
* احرص على تنمية إرادتك و بناء روحك و ذلك بمخالفة عاداتك نم وأنت مستيقظ و استيقظ وأنت من أعماق النوم ( صلاة الفجر) و كل و أنت شبعان وصم وأنت جائع( صيام التطوع).
و خالف النفس و الشيطان واعصهما و إن هما محضاك النصح فاتهم
و لا تطع منهما خصما و لا حكما فأنت تعلم كيد الخصم و الحكم............
يتبع...............