[/FONT]
[FONT=Comic Sans MS]شعرت بأنّ الثوب الأول يجعلها تبدو أكثر رشاقة، لكنّه يعيق حركتها بعض الشيء، وذاك الآخر يضفي نضارة ما على بشرتها، لكن والدتها اعترضت عليه لسبب لم تفهمه هي.
وأشارت عليها أختها بثالث لأنّه يجعلها تبدو أصغر سناً...
نعم، ذلك هو. وتنهدّت بارتياح وهي تقرّر اختياره دون غيره، فأمر مهم أن تبدو في نظره أصغر سناً. والأهم من كل هذا أنّها سترتبط بأحدهم أخيراً... ستتزوج وتستريح من التساؤلات المزروعة في العيون، ومن إلحاح جارتهم البدينة ذات الصوت الأجش التي لا تفتأ تذكرها بعنوستها كلّما زارتهم ووضعت فنجان القهوة المشروب على المنضدة وهي تردّد بإخلاص مفتعل: عقبال فرحتها! وكانت تغيظها تلك الدعوة، ويغيظها أكثر حين يصادف أن لا تقولها الجارة، فيداهمها إحساس بأنّها أصبحت وضعاً ميؤوساً منه، وبأنّ أزمتها هي أكبر من طاقة الدعوة مهما بلغت حرارتها! ولم يسبق لها أن تعلّقت به، هو مجرّد زميل عمل لأحد أزواج أخواتها، وذو مواصفات بدت مرضية بالنسبة لها وهي المرة الأولى التي سيزورهم بها ليراها وتراه، ولهذا شغلتها فكرة أن تنال إعجابه منذ الوهلة الأولى. وعليه فقد عملت منذ الصباح في الاستعداد للقاء، تسريحة جديدة متقنة، وثوب أنيق، ومكياج مدروس بعناية، لم يفتها شيء من التفاصيل، كانت واثقة من نفسها ومن شخصيتها ومظهرها، ومن قدرتها على إبهاره...
وجاء في الموعد المحدّد، فاستقبلته بثقة واتزان واضح، إذ لم تشأ أن تبدو أمامه كعروس نمطيّة، ملتفحة بالخجل التقليدي إياه، وخاضت معه في أحاديث شتّى، تنم عن ثقافتها وسعة اطّلاعها، وتتضمن رسالة ضمنية خفيّة تقول بأنّه على وشك أن يرتبط بإنسانة متميزة وغير عادية... وانتهت الزيارة الأولى، وتبعتها ثانية وثالثة، وفي كل مرّة تزداد إيماناً بأنّها تشد اهتمامه إليها بشكل خارق.. كانت تعتني اعتناء شديداً بأناقتها في كل زيارة، وتعتني باختيار أحاديثها وتنميق مفرداتها وحفز عقلها على أن يكون حاضر البديهة أبداً في وجوده... كانت متأكّدة أنّها قد استحوذت على عقله وقلبه تماماً! ذات صباح، أفاقت على رنين جرس الباب، فنهضت بسرعة، وتناولت شالاً أزرق قديماً لوالدتها، ووضعته على كتفيها وهرعت تفتح الباب، لتجده واقفاً أمامها...
ومادت الأرض بها، وبدا لها أنّها تحلم، لا بل تعيش كابوساً، كابوساً فظيعاً... فقد تخيلت مظهرها وشكل عينيها المنتفختين من أثر النوم، وشعرها المهمل، فتحوّلت إلى كتلة من ارتباك، ولم تدر ماذا قالت، لكنّها تذكر أنّها دعته للدخول، وحاولت التماسك بصعوبة، لكنّها لم تنطق بجملة مفيدة طوال جلسته في ذلك الصباح، وذلك حتّى شرب قهوته واستأذن مغادراً.. وكانت الرغبة الوحيدة التي سيطرت عليها في تلك اللحظة هي أن تلقي برأسها على صدر والدتها وتنتحب كطفلة! مضت الحادثة، وشعرت أنّه نسيها، وانتهت مدة الخطبة، وتزوّجا...
ومرّت سنوات طويلة من الزواج لتجده يهمس لها ذات مرة: هل تعرفين متى أحسست بأنّي أحبّك... إنّه ذلك الصباح الذي زرتكم فيه دون موعد، مسبق، بدوت جميلة جدًّا بذلك الشال الأزرق... كنت عذبة ورائعة... رائعة! ولم يدر سبباً لصمتها... ثمّ لضحكتها المفاجئة... ثمّ للذهول الشديد الذي أصابها!