في الصف، الحالة كما هي، يا شوكس، لم يعد أحد يتوقع مني أن أتكلم بشكل طبيعي، من جديد. مع ذلك، أصبح لي صديق. إنه " مارك بيلو " المشهور بـ " ماركو بولو ". ونحن الاثنين نشكل ثنائياً فريداً في نوعه، لأنه يتمتم، قليلاً فقط. وتصوري أنه اكتشف أنه، عندما يحدثني، بصوت منخفض ودون وجود أي شخص حولنا، لا يتلعثم أبداً في جمله. نحن نتبادل الملصقات والرسوم المتحركة، إنه مغرم بها، أما أنا فلا. وبعض الأحيان نتهاتفا، ونتحادث همساً... عدة ساعات. إنني لا أحب أن أتمتم.
إنه يثير ضحك الآخرين. عدا عن ذلك، فإن " ماركو " لطيف جداً.
إنني أتلقى دروساً خاصة في اللغة الانكليزية، مع مدرسة اسكتلندية ندعوها " مس " . إنني أتقدم بخطى خارقة. هذه الـ " مس " هي كريما انكليزية حقيقية (أواه). إنها لطيفة، ومضحكة جداً، لدرجة أنني عندما أفكر بعض الأحيان، أفكر بها. أود لو أستطيع مقابلتها صدفة في الشارع. لقد سألتني عن مكان سكني، وأرادت أن تعرف إذا كان لي أخوة صغار، كي تعلمني ألحاناً للأطفال، إنها أغانٍ للحاضنات.
وافقت على ذلك من أجل طفل " جوليا ". لجوليا طفل اسمه " فيكتور " ليس له شعر.
أمس، فاجأت الـ " مس " بأن أخذت الهارمونيكا، وعزفت عليها، لحناً غنته في اليوم السابق. إنني أعشق أن تغني هذه الأغنيات.
... ... ...
هذه الليلة حلمت بجدتي.
ربما بسبب الشعر، لقد أصبحت جدتي هي طفل "جوليا" وكنت أغني لها هذه الأغنيات. في أيامها الأخيرة، لم تعد جدتي تتحمل لا باروكة الشعر ولا الوشاح.
وأصبحت عيناها سوداوين جداً. لم نعد نرى سوى عينيها.
عيناها، كنت أحبهما أكثر من الحياة نفسها.
***
إنني أتحسن كما يبدو، لكن هذا ليس أكيداً!
جدي هو الأكثر سعادة، وهاكم لماذا.
مساء الأحد، وأثناء العشاء، فتح محفظته على الطاولة، وقال لي:
-خذ، يا نيقولا، لقد وجدت صورة لوالدتك، وهي في مثل عمرك. انظركم تشبهها.
كنا نأكل عجة نرويجية، كان جدي قد اشتراها من المخزن دون علم "جوليا"التي كانت تكره بشدة أن نخونها مع تحلية من هذا النوع، إنها تقول: "هذه كلها عبارة عن قذارة! ". وقلت لجدي إن أمي شقراء، شعرها أجعد، ولا تضع نظارات. أجابني بكل هدوء، قائلاً: "إن والدك هو الأسمر..."
وضعت أنفي في صحني، وقلت: "لماذا لم يتزوجا؟"
لم ينظر جدي إلي، وراح يشرح لي السبب، وهو يرسل تنهيدة طويلة:
-لقد كان والدك متزوجاً، وزوجته كانت صديقة لأمك، وله منها طفلة صغيرة. لهذا السبب قررت والدتك أن تربيك بمفردها، ثم كان الحادث، فاحتفظنا بك... كان باستطاعتنا إعادتك لوالدك.. ربما كانت زوجته ستقبلك، لأنها كانت تعلم بوجودك -ولكننا، أنا وجدتك، فكرنا أننا مازلنا شباباً، وأنك سوف تكون سعيداً معنا...
وهكذا يا نيقولا... أنت تعرف كل شيء الآن...
أنهينا العجة بصمت.
صعدتُ إلى غرفتي.
كنت أشعر أنني متجمد، ليس بارداً فقط، بل قاسياً مثل الحصى، ولا أستطيع أن أحدد لك ما إذا كان هذا الخبر يسعدني، أم يحزنني، لم أكن أشعر لم أكن أشعر بشيء!
واشتغلت على مكتبي.
فجأة، بدأت أغني لحناً، لحن أغنية كانت جدتي تحبها منذ زمن بعيد.
وها أنا أسمع نفسي أغنيها بصوتٍ عالٍ، وبقيت أغني:
"كل الأجراس تدق، تدق" (هذه هي اللازمة).
يسمعني جدي، ويصعد بهدوء، وشرع يغني، وهو يفتح الباب، باب غرفتي، المقطع الأول للأغنية: "ياقرية في قلب الوادي..." وهو يشير لي أن أغني معه. لم أستطع إكمال المقطع؛ كان صوتي منخفضاً جداً. ولكن اللازمة كنت أعود وأغنيها مع جدي بملء حنجرتي.
والمقطع الختامي رددناه ثلاث مرات: "كل الأجراس تدق، تدق،
والصوت من صدىً، لصدى
يقول للجمع الذي اندهش
إنها لجان فرانسوا نيقولا"
كانت الدموع تملأ أعيننا، وتوقفنا، وقبلني جدي ثم قال:
- هل كنت تفكر بأبيك، عندما تذكرت هذا اللحن؟
- كلا، بجدتي، دعنا لا نعد للحديث عن أبي.
ومنذ ذلك الحين، قمنا بتجارب أخرى، أستطيع أن أغني بصوتٍ أعلى، ولكن ليس بصوت قوي. كنت أتوصل إلى ذلك مع أغاني الـ "مس"، وقد دُهِشتْ كثيراً وهي تسمعني، وفي الواقع، عندما أتحدث معها بالانكليزية، فإن صوتي يخرج أحسن بكثير منه في الفرنسية، إنها ظريفة، فهي تتظاهر بأنها لم تلحظ شيئاً، لن أقول ذلك للدكتور "بالان". سوف يفسد عليَّ الـ"مس" الصغيرة.
إنني مستمر معه، ولكنني توقفت عن "ممارسة النطق الصحيح". كنت أفضل الذهاب إلى المعهد الرياضي، ثم إن القراءة في كتاب "قمم هورلوفان" لم أعد أستطيع تحملها. ووافق الدكتور "بالان" أن أتركه.
الدكتور "بالان" صار، بشكل طبيعي، يجعلني أغني.. وهكذا، سوف يقول إن التحسن تمّ بفضلة. لكن هذا ليس صحيحاً على الإطلاق. إنه بفضل جدتي وأغاني الحاضنات على ما أعتقد.
***
توجد بالإضافة إلى أبي شخصية يزعجني التفكير بها، إنها "نصف -شقيقتي" ليست شقيقة، بل أخت. الأكبر أو الأصغر برأيك؟
هل توافقين على زوج يغني، ولكن لا يتحدث؟ ويغني فقط النغمات الثاقبة وليس القوية.
في النهاية ظلت جدتي في المستشفى، لم تعد تأكل، ولكنني كنت أعتقد دوماً أنها سوف تشفى. لم أكن أعلم أن الحياة تتوقف، هكذا، فجأة.كنت أفكر فيها مساءً، وأنا في سريري، لم أكن أستطيع أن أصلي لأجلها خوفاً من الفشل. ولكنني كنت أرسل لها إشارات حنان برأسي، وأدفعه باتجاهها. إنني لا أستطيع قص ذلك إلا عليك، كنت واثقاً من أن حناني يذهب باتجاه المستشفى، ويمر فوق الغابة، والقرى الأخرى، ويستطيع شفاءها.
في الأسابيع الأخيرة، جاءت العمة "إيرا" لتسكن معنا، إنها شقيقة جدي. وهكذا كانا يتناوبان الذهاب إلى "كليرمون" في الليل. وإلا لما استطاع جدي أن يتحمل أكثر.
ومساء يوم، في "كليرمون"، فهمت أن جدتي مريضة جداً. طلبت مني ثلاث مرات أن أرفع نظارتيها، لم تكن هناك نظارات، كانت تظن أن الأنبوب الصغير الذي يدخل أنفها هو نظارتها. كانت تأمل دائماً العودة إلى البيت. لكن هذا صار مستحيلاً، وشيئاً فشيئاً لم تعد تأمل، بل فقدت الأمل على ماأظن، لأنها لم تعد متماسكة، كانت تتكلم بصورة مستمرة، لم تعد ترغب في البقاء على سريرها، وكانت تحاول أن تمسك بأشياء لا وجود لها. ولكن أنا، كانت تعرفني دائماً، وكانت تحبني دائماً. لقد فهمت أن المرض يمكن أن يمنعكِ من التفكير بشكل طبيعي، ولا يمنعك أن تحبي.
كان جدي شديد التجهم، وكان يفضل ألا يصطحبني إلى المستشفى، ولكني كنت أريد أن أبقى مع جدتي. أعطتني سبحتها، كانت تدعوني "ياحبيبي" وائتمنتني على جدي. ومع ذلك كنت أعتقد أنها ستشفى، لأنني شاهدت صوراً للعم "جان" يوم كان في الأسر-إنه عجوز، لقد حارب-وكانت حالته سيئة مثل جدتي، ولكنه تحسن، بَيد أن جدتي لم تتحسن.
لا أستطيع الكتابة لك، لوصف ليلة وفاة جدتي، لا أستطيع، لقد حاولت.... تم دفنها.
لقد كنا، أنا وجدي، شجاعين، الكل قال ذلك، لم نبكِ.
في البدء، أردت رؤية جدتي، على سريرها، سمح لي جدي، لقد كانت فعلاً ميتة، لم يبق أدنى شك، ولم أعد أعرف ماذا أفعل بحبي لها.
لم أعد أعرف ماذا أفعل، بتاتاً.
كانت جدتي تعرف دائماً ماذا تفعل.
لقد افتقدناها كثيراً يوم الدفن.
حتى الآن لا أتكلم، ومن المضحك: غناء "أعطني الماء".
انتظر أن أكبر.
آمل أن يتحمل جدي الصدمة، وإلا ماذا سيحل بي؟
وهناك صدمة قوية أخرى، لعينة! أين أذهب؟ ماالذي سيحل بي؟
اسمعي:
قيل لنا، الساعة الثانية عشرة ظهراً أن أستاذ البيولوجيا مريض.
إنه يوم الخميس: أعرف أن والدة " نيللي" تأتي لتأخذها عن الرصيف، بعد المطعم، وتعود إلى "برامفان" فأسرعت، وعدت معهما، كي لا أنتظر ساعة الباص.
أصل إلى البيت. ماذا أرى؟
سيارة مدرس اللغة الفرنسية، أمام منزلنا.
هكذا إذاً؟!
هل يأتي لزيارة جدي دون علمي؟
أنا غاضب.
أدخل الكراج، وأدلف إلى المطبخ.
لا أحد في قاعة الاستقبال. "جوليا" ليست هنا، الصالون يطل على مكتب جدي، ولكن الأبواب المبطنة لا تسمح بسماع أي شيء.
على جدار مكتب جدي توجد خزانة أدوات المائدة. أفتحها، وأقترب، حتى أقرب حد ممكن من عمقها، وأنا أنحني.
هناك صوت.
إنك واثق من سماع صوت السيد "دولاهي" ومع ذلك، مستحيل أن تفهم ماذا يقول.
إنني مضطرب.
أحاول أن أحرك مجموعة من الصحون، دون إحداث ضجة، وفي هذه اللحظة، كراكْ على الفور! تفتح أبواب المكتب، وها هما الاثنان أمامي.
كنت مذعوراً جداً، مذعوراً من الخجل.
-ماذا تفعل هنا؟ دهش جدي.
أخرج من الخزانة، شعرت بوجهي مثل الحصى، مستحيل أن أحرك فيه عضلة واحدة.
استعاد السيد "دولاهي" توازنه، مد يده وشددت عليها.. قال:
- ألم يكن عندك درس هذا العصر؟
أشرت برأسي: لا...
ورجاني جدي أن أجلس...
سوف ألخص لك المحادثة، شوكس.
جدي- نيقولا، السيد "دولاهي" جاء لرؤيتي، كي نتحدث بخصوصك، وقد فهمت منه أنك مجتهد، لا توجد مشكلة كي تنجح إلى الصف الخامس ولكنني كنت أتساءل إذا كان اختفاء صوتك لن يؤثر على دراستك من هذه الناحية، لا يوجد تحسن، إذاً، لو طال الأمر، سوف ينحدرمستواك التعليمي، ويجب أن تعرف ذلك.
السيد "دولاهي" - وأيضاً، يا نيقولا، كنت أريد التحدث مع السيد "دولوز" في موضوع آخر، شخصي. اعذرني لصراحتي القاسية، ولكني من نفس عمر والدك، وأنا أعرفه منذ زمن طويل.
والآن، وبعد وفاة جدتك، ولكونك قد أصبحت كبيراً لتستوعب الأمر، فهو يسألك، إذا كنت تود مقابلته. صدقاً، لقد جئت من أجل ذلك.
أنا -(بصوت منخفض، قلت للسيد "دولاهي": أريد أن أتحدث مع جدي، ولكن ليس معك.
السيد "دولاهي" كما تريد. أنا مندهش من ردة فعلك، ظننت أنه من المفيد أن أهزك، لكن على مايبدو، ليست هذه هي الطريقة الصحيحة. على كل حال، يا نيقولا، سوف تبدأ العطلة الصيفية بعد خمسة عشر يوماً، وسوف تدرس اللغة الفرنسية مع الآنسة "كلوستر" لقد وزعنا الطلاب على الصفوف، إذا كان ذلك يطمئنك.
أنا-طيب، (لم أتجرأ على القول "أحسن" مع ذلك).
جدي -اذهب، وأحضر لنا كوكا كولا، يا فهمان!
شربا، وهما يتحدثان عن الطقس، لم أكن ظمآن... كنت متجهماً، وذهب السيد "دولاهي".
إن جدتي لم تكن لتقبل أبداً أن يتدخل أحد في كل هذا، وأستاذي بالذات.
***
إن الأمر متداخل في رأسي:
عندي أخت، يا صغيرتي شوكس.. وماذا؟
لست بحاجة لأخت، أو أخ، أو أب!
إنني بحاجة إليك!
أنتِ!.... أفعل مثل جدتي؛ أركز جيداً جداً، وأفكر في شوكس . توجد في الحياة ألغاز كثيرة. ربما سيصلك حناني، ويسعدك، ولو لم تعرفي أنه آتٍ من عندي.
أنت موجودة بالتأكيد، لأنني عندما أكبر، سوف تعود إلي قدرة النطق، وسوف ألتقي بك، وسوف يحب الواحد منا الآخر بقوة، وسوف نتزوج، وإذا قدِّر لك أن تموتي قبلي، فسأستلقي بجانبك، وسوف آخذ، عن قصد دواء، ونموت سوية، وهكذا، لن تشعري بالخوف، سوف نكون متقدمين كثيراً في السن، لدرجة أنه لن يكون من الضروري أن نحاول البقاء.
هل تعرفين؟ إنني أفكر في شيء واحد: لقد تحدث أستاذ البيولوجيا أمس، عن المكان والزمان، وكان يقول إنه ربما كانت واحدة من هذه النجوم التي ترينها في السماء، ترينها بملء عينيك، لم يعد لها وجود منذ مئات السنين أو ملايين السنين، لأنها قد انفجرت.
حسناً!! إذا تصورت العكس، أي كوكباً يعيش عليه أناس أكثر ذكاءً منا، فمن المنطقي عندئذ، أن ينظروا إلى الأرض، مثلما كانت في الماضي.
وكلما كنت بعيدة، رأيت بعيداً في الزمن الماضي.
يوجد إذاً، على الدوام، مكان من العالم، يستطيعون منه رؤيتنا نعيش، بشرط أن يستخدموا مناظير قوية بما فيه الكفاية، ربما تكون هذه هي الآخرة. ليس من مصلحتنا أن نقوم بحماقات، أو سفالات، لأنها تُسجِّل في المكان، على شريط كاسيت أو فيلم مثلاً إذ وجد.
إنني لا أستوعب لماذا لن يكون هناك أناس من خارج الأرض، في العالم الخارجي، في مكان ما من السماء، على كبرها.
أو لماذا، إذا لم يكونوا موجودين الآن، سوف يوجدون في يوم من الأيام، إنني أود أن أقول: "في أي وقت لا على التعيين".
ماذا تعتقدين؟ ماهو رأيك حول هذا الموضوع؟
إن علم الفلك يسبب الدوار، كما أعتقد، ولكنني أحبه جداً، ومن المفترض أن نشفى من الدوار، وأن نعتاد على فكرة أننا لسنا مجرد شيء " في بحر العوالم اللامتناهية"، كما يقول الأستاذ، وإلا أُصِبْنا بالجنون، لهذا ترينني بعض الأحيان، أغار من القطط. هنا ليس لدينا قطط؛ لكن قطة الجيران تأتي دائماً لتنام تحت شجرة الصنوبر "الزرقاء" في الحوش. إنني أداعب بطنها، كانت جدتي لا تحب القطط، لكن، ربما سيسمح لي جدي بالاحتفاظ بواحدة من الصغار التي سوف تلدهم، إنها تدعى "مينيت" إن شعرها كثيف كالدببة. هذا سخيف! عندما أنظر إليها فترة طويلة أظنها السيد. إنها تبدو أعلى وأسمى من الواقع...
سوف أدعو قطتي الصغيرة "شوكس" ذكرى لك.
غالباً ما أكتب لك أشياء أتحدث عنها مع "بالان"، الفرق هو أنني أحبك أنتِ، أما هو فلا، مرة حلمت أنه والدي، قال: "آه: نعم؟!" مثل العادة.
إذا ظن أن هذا كان مدحاً له فإنه مخطئ!
بالان، بالان.. إنني أسخر منه!
اليوم تحدثت معه حول هذه الجملة:"لا يوجد مشترك للرقم الذي طلبته". وعوضاً عن شرح ما تعنيه لي هذه الجملة، كما كان يريد، أخذت حقيبة كتبي وذهبت، وأنا أردد:"لا يوجد مشترك للرقم الذي طلبته". ولكني أخطأت، وقلت: "لا يوجد رقم للمشترك الذي طلبته، شيء سخيف! ياللسخرية!
شوكس، أنت موجودة، أنتِ تعيشين، يوجد لديك حتماً هاتف، يوجد رقم هاتف لك؟ قولي!
منذ المقابلة اللعينة مع السيد "دولاهي"، وأنا أعلم، يا شوكس، أنه ينبغي أن أتحدث مع جدي، أعرف هذا، وإلا فلن يكون سعيداً، لكنني كل يوم أؤجل ذلك، وأجد أعذاراً، مثلاً، أقول لنفسي: لدي وظائف كثيرة متراكمة. وقد دعوت "ماركو بيلو" من مساء الثلاثاء، حتى الخميس صباحاً، وقد كان جدي فرحاً بذلك، ذهبت مع "ماركو" إلى الغابة، لاصطياد عصافير "الدوري" مع أن بارودتي تعمل بالهواء المضغوط. عادةً، اصطاد بالبطاطا: تأخذين قطعة بطاطا وتشقينها برأس فوهة البارودة، فتبقى بداخلها، تطلقين طلقة طَقْ! وتنطحن البطاطا على الهدف. لكننا هذه المرة أخذنا رصاصاً (خردقاً) وافق جدي على ذلك، واصطدنا اثنين منها.
تباً لهما، لم أشعر تجاههما بالشفقة مطلقاً، إذا كان ذلك يحزنك فأرجو أن تسامحيني، يوجد من نوع الطيور هذا الكثير، وفي كل مكان.
وقد سعدت بالحصول عليهما، أنا الذي اصطدت الاثنين. و"جوليا" تعرف وصفة: فهي تنتف ريشهما، وتضعهما على حبة بطاطا ضخمة مكتفين، و.. هوب، تدخلهما إلى الفرن.
أكلنا، أنا وماركو، العصفورين ، كان طعمهما لذيذاً، إن جدي، في الصيد يقتل أي شيء، سوف أذهب، بعد فترة، إلى الصيد من جديد، وسأقتل الغربان فقط، لأن الغربان التي تحلق فوق أكوام النفايات مقرفة. النفايات تقع مباشرة بعد المقبرة. وقد كنت، من قبل، أذهب إليها كثيراً، لجلب أشياء، الآن: أبداً!
" يا سيدتي شوكس، يا طفلتي شوكس
أنت قدري
وأنا "كاوبوي" مسكين، ووحيد
يضع نظارتين على أنفه". (أغنية بالإنكليزية).
انظري كم تقدمت في الانكليزية.
مرت ثلاث أشهر وأنا لا زلت أتكلم دون صوت!
دون صوت، توجد أشياء كثيرة لا تستطيعين فعلها:
-التبضع، عدا مخازن "كاموت".
-مخاطبة أشخاص لا تعرفينهم، للسؤال عن شيء ما.
- الرد على الهاتف.
-الاشتراك في مناقشة مع مجموعة من الناس.
إنها عاهة!!
منذ حضوره إلى المنزل، لم تعد الأمور تسير كما يجب بيني وبين السيد "دولاهي". لتحيا العطلة! إنني أتعمد أن أكون بغيضاً معه. أما هو، فإنه محرج. هذا واضح.
ومع جدي، أيضاً، لا تسير الأمور على مايرام، إنني أهرب منه.
أعتقد أنه غاضب مني.
أنا وهو نعلم السبب جيداً.
إذاً كان يود تقديمي لوالدي، لماذا احتاج للتحدث عن ذلك مع أستاذي، وليس مع شخص آخر، أستاذ وصديق يشكلان اثنين، والأنكى من هذا، أمس، تصوري يا صغيرتي "شوكس" وأنا عائد من عند "بالان"، وذاهب لأستقل الباص، قطعت شارع "جود".... ماذا أرى على الرصيف المقابل لي؟ بالطبع، السيد "دولاهي" مع فتاة لها ضفائر على ظهرها. إنها في مثل سني، أو أكبر قليلاً، كان يتحدث معها، وأنا كنت أمام متجر أحذية. لقد تملكني الذعر، وخفت من أن يراني، فدخلت المتجر بأقصى ما أستطيع من سرعة. هنا، كان الموقف مريعاً.
وقعت البائعة على رأسي، فاحمر وجهي أو اخضر، لا أدري، وفتشت بيأس عن أي شيء؛ غير الأحذية، موجود في المخزن، كي أعطي نفسي الوقت الكافي للانتظار فيه، حتى ابتعاد السيد "دولاهي"، وأخيراً، أشرت للبائعة بإصبع، وبالإصبع الأخرى لحلقي، وطلبت بصوت منخفض زوجاً من شريط ربط الحذاء. لحسن الحظ، كانت معي بعض النقود. واشتريت شريطاً أحمر اللون، لأن شريط حذائي لم يكن مقطوعاً. ربما إنها لم تستطع أن تفهم أنني أود شريطاً آخر أبيض اللون.
***
أنا وجدي متخاصمان.
أنا و "بالان" متخاصمان.
أنا وأنا متخاصمان.
ولكن، أنتِ: أحبك.
لولا "جوليا" كنا هلكنا، "جوليا" هي التي تهتم بشؤون المنزل، تماماً مثل جدتي. نحن نلاحظ ذلك يوم الأحد، لأنها لا تحضر في هذا اليوم. تبدو الغرف أكثر اتساعاً من العادة.
هذا الصباح، تناقشنا، أنا وإياها، مناقشة لعينة، مناقشة في غاية الأهمية! يا شوكس، أنا أحمق، لحسن الحظ أن "جوليا" افهمتني ذلك.
كنت أنتظر أن يبرد شراب الشوكولا الساخن، لأنني كنت لا أريد الأكل، كان جدي قد ذهب إلى المكتب منذ فترة، وفجأة نظرت "جوليا" إلى كأسي، نظرت إلي، ثم انفجرت قائلة:
- نيقولا، هذا يكفي، الآن ستشرب شرابك، هل تعرف ماذا يجري؟
- أنا - ماذا؟ ما الذي يجري!؟
جوليا- جدك، سوف ينتهي الأمر بمرض جدك، لكثرة مايعانيه بسببك.
أنا لدي أذنان تسمعان في كل مكان، أسمع أشياء كثيرة، لقد أصبحت صعب المراس، سييء الطبع، حزيناً، حتى أنك تهدم كل العالم من حولك. وحتى أنا، فإنك تثير غضبي. إنك لا تأكل، ولا تتكلم، وتبدو وكأنك صنم. ألا يكفي السيد "دولوز" بؤساً أن يعيش أرملاً ؟ هل تعتقد أن جدتك ستكون سعيدة لما تفعله؟ إنك تخرب حياة جدك. وأنا أعلم مالذي سيحدث.
في يوم من الأيام، سوف يطفح الكيل به، وسيرسلك إلى مكان آخر. هل تفهم مالذي أريد قوله؟ " إلى أي مكان آخر". أنا أفهم ذلك.
أنا - إلى مدرسة داخلية؟ إلى منزل معاقين؟
جوليا - لم لا؟ إلى مدرسة داخلية!!
يا صغيرتي شوكس، لقد أخذت كأس الشوكولا، وألقيت به في حوض المطبخ بقوة، فانكسر، وهربت إلى غرفتي فوراً.
صعدت "جوليا" ورائي راكضة؛ وقالت:
- "نيقولا، ربما أكون مخطئة، لكن، عليك أن تنتبه لجدك".
بكيت. حاولت أن أنادي جدتي، ولكن من غير جدوى، لقد ماتت.
إذاً، هذا مايحاول الجميع فعله؟ إرسالي إلى مكان آخر، إلى مدرسة داخلية! أنا أفضل أن أموت، إنني غبي!
أكتب لك بصوت منخفض.
عندما توفيت جدتي، كان الوقت ليلاً، يا شوكس، مثل الآن.
كنت أنام في سريري. وجدي في غرفته. كان دور العمة "إيرا" في المناوبة في المستشفى. (كنت قد ذهبت في اليوم السابق لرؤية جدتي، لم تكن واعية، ولكنها كانت تحبني، كانت تحبنا، وكان ذلك واضحاً، كانت لا تزال تملك حياتها وصوتها لنفسها. كانت تقول أشياء كثيرة مثل السابق، ولكن دون ترتيب. كانت جميلة. وكانت تضع على رأسها وشاحها الذي تزينه العصافير)
سمعت صوتاً تحت، نهضت مختبئاً، نزلت دون أن أظهر نفسي، رأيت العمة "إيرا" تدخل على رؤوس أصابع قدميها.
تبعتها في العتمة.
ذَهَبَتْ إلى مخزن البياضات، أخذت بعض الأغراض، وذهبتْ.
لكن الباب الخارجي للبيت صرَّ، عندها استيقظ جدي. وثب في الممر وشعره مشعث. نظرت العمة "إيرا" نظر الواحد للآخر، وهي تقول:
- انتهى الأمر.
أنا أقول - ماهو الأمر الذي انتهى، وذلك في الوقت نفسه الذي فهمت فيه.
وضممنا بعضنا بعضاً. كانت العمة "إيرا" تبكي وحدها.
جدي وأنا كنا جافين.
العمة "إيرا" كانت صارمة، أرسلتنا، أنا وجدي، إلى النوم، طالبة منا الانتظار حتى الفجر، وعادت هي إلى "كليرمون".